آليات الخطاب الإشهاري ورهاناته إعداد د. محمد الداهي
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=24
الكاتب: mdahi


 حرر في الأحد 09-05-2010 11:29 أ•أˆأ‡أچأ‡

تمنين أواصر التعاون بين الجامعة وشركائها في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . 


     حفز الطلبة على الاكتراث بخطابات ( وفي مقدمتها الخطاب الإشهاري) يحتكون بها يوميا لكن تعوزهم القدرات على مقاربتها.وهذا ما يستدعي  تحذيقهم بالمهارات الملائمة حتى يتحسن أداؤهم التواصلي والمنهجي ويتفادوا أساليب التطويع التي تتخذهم مطية لاستجلاب الأرباح. دون مراعاة اختياراتهم وأذواقهم وكينونتهم.


     فتح آفاق أمام الطلبة لتعرُّف مهن جديدة وامتلاك مهارات  تيسر لهم الاندماج في الحياة العملية بالفاعلية المنشودة. 


ونظرا لكثرة المداخلات فإننا ، رغم ما في الأمر من تعسف، سنكتفي  يبعضها لأخذ فكرة مجملة عن القضايا الكبرى التي استأثرت باهتمام الباحثين في ست جلسات علمية (رهانات الخطاب الإشهاري  وآليات الخطاب الإشهاري وصورة الآخر في الخطاب الإشهاري ومضمرات الخطاب الإشهاري والنماذج الإشهارية وقيمها وبلاغة الخطاب الإشهاري).



انصبت مداخلة سعيد بنكراد (المرئي وجوهره في الوصلة الإشهارية) على الأساليب التي يهتدي بها الإشهار من أجل تبليغ بعض الطاقات الانفعالية التي يتعذر عليها غالبا إيجاد تجسيد مباشر يحتويها، ويكون المعادل المطلق أو النسبي لما يمكن أن يستثار في وجدان المستهلك. وتندرج ضمن هذه الانفعالات ” الخاصيات” التي تحيل  إليها الألوان أو الأحاسيس المجردة ( على نحو السعادة والحب والانشراح والشباب) أو التواصل الشمي الذي يستند إلى نسق يتكون من عدد هائل من الروائح التي تستدعي من أجل ضبط أبعادها رصيد ثقافي عام يمتزج فيه الديني بالاجتماعي وبالإيديولوجي.


واستند فريد الزاهي في مداخلته (حفريات الإشهار بالمغرب) إلى التحليل الثقافي لإبراز  إرهاصات الإشهار بالمغرب، وتحليل مضمراتها خاصة ما يتعلق منها  بتقديم المغربي في صورته الاستشراقية كما روجت في الرسوم المستوحاة من ألف ليلة وليلة.


خلص عبد المجيد النوسي ـمن خلال تحليل صورة تحث على الاستلاف لمواجهة مصاريف الدخول المدرسي- إلى تعلق المنتوج بالحلم، واستثماره للمتخيل والرموز والمرجعيات الثقافية الأولية بهدف استبعاد فعل الشراء المقلق، وحفز الزبون على سوغ الخدمات المعروضة بشغف كبير. وفي السياق نفسه، بين الباحث أن المشهر اعتمد مجموعة من الآليات  وفي مقدمتها الإضمار الذي يخفي البعد الاقتصادي (استجلاب الربح من الخدمات البنكية) ويؤكد إمكانية استفادة المتلقي المفترض من قيمة أخرى أثيرة لديه ( وهي النجاح في الدراسة ). وتؤطر الصورة الإشهارية الدعوة لهذا المنتوج ضمن فعلي المساندة والتضامن اللذين يعتبران من المرجعيات المضمرة الثاوية في اللاوعي الثقافي للفرد.


حاول أحمد العاقد في مداخلته ( الخطاب الإشهاري في التواصل السياسي: الأنماط الوظيفية والتجليات المعرفية) أن يسهم في تحليل الآليات والرهانات الخطابية للإشهار وفق رؤية نسقية تؤطر البنيات الإشهارية ضمن النسق السياسي العام. وقد أبرز الباحث أن الخطاب الإشهاري، بوصفه شكلا تواصليا متميزا، يتشكل ضمن الفعل السياسي الهادف إلى تطوير البنيات الاجتماعية عبر تعزيز الأبعاد الديمقراطية وتفعيل الخيارات الاستراتجية ومناهضة الممارسة التقليدية التي تكرس هيمنة السلطة عبر سيرورة المحافظة. كما أوضح أن الشكل الإشهاري يندرج ضمن استراتجيات التواصل السياسي بشقية العام (العمومي) والخاص(الانتخابي) ، حيث يعكس آفاق المواطنين وانتظاراتهم، ويترجم في العمق صراع الأفكار والآراء والمصالح داخل المجتمع السياسي. وعلاوة على ذلك قارب أحمد العاقد الإشهار السياسي من خلال الإجابة عن ثلاث أسئلة ملحة في تأمل الممارسة التواصلية السياسية في المجتمع المغربي: هل يشكل الإشهار السياسي انزلاقا في الممارسة السياسية أم أنه آلية ضرورية لتطوير العلاقات الرمزية بين الفاعل السياسي والرأي العام؟ هل ينبغي للسياسي أن يكون بالضرورة متخصصا في التواصل السياسي أم يتعين عليه اللجوء إلى المهنيين الخبراء؟ هل يتعين على الإشهار السياسي أن يكون ذا طايع ” سياسي” أم ” إشهاري”؟  توخى محمد فارضي من خلال مداخلته ( التواصل الإشهاري مقاربة حجاجية تسويقية)، إنجاز قراءة تحليلية لآليات التواصل الإشهاري من منظور حجاجي وتسويقي. والأكيد أن هذه الموضوع يثير ضمنيا إشكالية العلاقة بين الإشهار والتواصل من جهة، ومسألة الترابط الجدلي بين التواصل الإشهاري والمقاربة الحجاجية التسويقية من جهة أخرى.ويعتبر الإشهار، في هذا الإطار، وسلية من وسائل التواصل التسويقي التي يتحدد دورها في الترويج الإعلامي للمنتوجات والخدمات. 


أثار برونو ترونيتي في مداخلته ( الإشهار والإشهار الواصف) جملة من الأسئلة تهم العلاقة التي تربط  اللوحة الإشهارية بالفن والجمال. فإلى جانب أن المشهر يعرض المنتوج لبيعه، فهو يصبح في الآن نفسه موضوعا للإشهار. فعلاوة على  استحسان المشهر بضاعته أو خدمته فهو يطري الطريقة التي يشهر بها . وفي هذا الصدد ركز على الجانب الجمالي في الإشهار ، وتعامل مع اللوحة الإشهارية كما لو كانت عملا فنيا. ولهذا الغرض فهي تتطلب مجهودا من الفنانين والمدعين (Créatifs) حتى تكون في المستوى الفني المنشود، وتسهم بدورها في جذب اهتمام المستهلك وتحريضه على اقتناء المنتوج.



تقاطعت مداخلتا بوبا دوانا ميكايلا(اللاشعور والإشهار) وليلى شعبان رضوان(الجوانب النفسية للإعلان) في اعتماد المنهجية النفسية ( فرويد و يونغ ولاكان) لإبراز ما يستضمره الخطاب الإشهاري من انفعالات ومشاعر وأحاسيس ( ما يتعلق بالمفاهيم والاستعارات المستمدة من الحقل الديني والأسطوري والانتربولوجي). وفي السياق نفسه، فإن فهم الجمهور ومعرفة ميوله واتجاهاته من الأمور اللازمة للعاملين في مجالات الاتصال الجماهيري وخاصة يما يتعلق بالإعلان. ما الدوافع التي تجعل الجمهور يتعلق برسالة معينة ويتقبلها ويتجاوب معها. وتعد معرفة دوافع الشراء عند المستهلك أمرا جوهريا لفهم النشاط  التسويقي، وتعرف دوافع الشراء، وإشباع رغبات الزبون المغفية.


وانصبت مداخلة فانسون كبولا (إقناعية الخطاب الإشهاري) على البعد التواصلي في الإشهار، وبين أن الطرفين الأساسيين في التواصل ( المشهر والمستهلك) يسعيان إلى اقتسام المعرفة  وامتلاك تمثل مشترك حتى يكون تواصلهما فعالا ومفيدا. وهذا ما يتطلب من المشهر تسخير كفايته التواصلية حتى يعرف الزبون المفترض بمزايا سلعته أو خدماته، ويضرب بقوة في لا شعوره لترسيخ علامته التجارية ومقاومة قدرته على الحكم والنقد. وبالمقابل يستخدم المستهلك قدراته التأويلية لتمييز ما يٌعرض عليه  واختيار ما يرضيه ويلائمه. وبما أن المشهر يوظف التقنيات التطويعية (Techniques manipulatoires) فخطابه يتسلل في غفلة عن المستهلك إلى لا وعيه، ويحرضه على فعل الشراء. ومهما كانت شطارة وذكاء المستهلك فهو يجد نفسه مجبرا على ذلك، ويشعر بصعوبة جمة في صد رغباته وتبديد انفعالاته. إنه الجانب السحري الذي يجعل الخطاب الإشهاري قوة تطويعية عارمة لا تقهر.


وقارب كل من محمد البكري ونعيمة الزهري الخطاب الإشهاري من الوجهة اللسانية. انصب تحليل محمد البكري ( لغة المشهر المغربي) على متن مكون من مجموع أحاديث إشهارية مستقاة من البث التلفزي المغربي محددة وفق معايير توفر أكبر قدر من التجانس التزامني.  ولم يستبق منه سوى المستوى اللفظي / اللغوي، بحيث أن كل المستويات الأخرى في الرسالة تنحى عن الموضوع ( لا تلعب سوى دور تكميلي). وتوخت مقاربة الباحث صوغ العبارات وإرسال الرسائل الإشهارية، وتلمس الجوانب البلاغية الموظفة لتحقيق أغراض تسويقية وتجارية. واستندت نعمية الزهري في مداخلتها ( آليات الخطاب الإشهاري) على النحو الوظيفي مبينة أن لسانيي هذا الاختصاص ، وإن اهتموا بالخطاب وأنماطه السردية وغير السردية، لم يهتموا بعد بالخطاب الإقناعي. وفي هذا الصدد  اضطلعت الباحثة برصد حقائق هذا النمط من الخطاب ووصفها في إطار أحث نماذج النحو الوظيفي أي النحو الطبقي القالبي ( أحمد المتوكل 2002) متخذة الخطاب الإشهاري نموذجا.


وانصبت مداخلتا عبد المجيد حموي وميلود بلقاضي على تأمل تجربة تنظيم القطاع السمعي البصري بالمغرب بعد صدور القانون رقم 77.03 الذي يعتبر خطوة متقدمة لتحرير القطاع السمعي البصري بالمغرب. بين عبد المجيد حومي في مداخلته ( تنظيم الإشهار السمعي والبصري) أن الممارسة الإشهارية كانت فيما قبل حريصة على الاستجابة لإكراهات سياسية وأخلاقية، وحذرة من إثارة حساسية مجتمع يتطور على إيقاعات مختلفة ومطردة. ولكن بعد استحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تبلورت ” مرجعية قانونية” يُحتكم إليها لتوسيع المبادرة الحرة والنظر في الحالات التي تخل بتطبيق القانون واحترام بنوده ومبادئه. وتبدو أهمية القانون في ترسيخ عادات تحث على الانضباط والتنظيم الذاتيين، والانتقال من علاقة الوصاية والاحتكار إلى علاقة المسؤولية والمبادرة الحرة. وأشار ميلود بلقاضي في مداخلته (الإطار القانوني للخطاب الإشهاري بالمغرب)  إلى ملاءمة دفاتر التحملات لدعم مهنية المشهرين وترسيخ ثقافة المسؤولية لديهم وحفزهم على المنافسة الشريفة، واستجلي  أبعاد استصدار قانون 77.003 الذي وضع المعايير العامة للممارسة الإشهارية في الحقل الإعلامي، وحدد مجموعة من الضوابط التي ينبغي احترامها ضمانا للمنافسة الشريفة بين المشهرين وحرصا على اشتغالهم في مستوى عال من المهنية وفي جو من المسؤولية والانضباط ( على نحو عدم تضمن اللوحات الإشهارية أشكال من التمييز العرقي أو الديني أو اللغوي،و تفادي إظهار الإنسان في وضعيات تحط من كرامته،و تشجيع القاصرين بصفة مباشرة على شراء منتوج أو خدمة،وتزويد المستهلك بمزاعم وبيانات مغلوطة..).



ومن بين المداخلات التي ركزت على الجانب التطبيقي نذكر منها مداخلتين. أولاهما لأيوب بوحوحو (خطاب اللوازم النسائية)، الذي حلل عينة من اللوحات الإشهارية التي تخص حقيبة اليد، مستندا إلى المنهجية السيميائية التي تعتمد التسويق لتوسيع دائرة الاستهلاك والتحريض على فعل الاقتناء.  ومن خلال التحليل يتضح أن حقيبة “ديور” ( الموضوع المبحوث عنه) تثير لدى المرأة قيما طوبوية ووجودية (نمط العيش الحداثي والرغبة في التغيير) وقيما لعبية ( ترف مستوحى من ماضي الدوقة ويندزور windsor التي صنعت لها كرستيان ديور حقيبة ذات عروة مرصعة باللؤلؤ).  في حين تركز حقيبة كيلي ( علامة هرميس) على المعايير الملموسة ( الصلابة والديمومة ). وتعتبر الحقيبة موضوعا للتقلعة ( الموضة)  يلبي  حاجات ورغبات حاملته ويغير سلوكها. يفرض عليها مشية  وحركة معينتين، ويحتم عليها أيضا قواما محددا. فهو، علاوة على لوازم أخرى، يسهم في إبراز محاسن المرأة ويستحثها على تغيير مظهرها ( Look). وبالمقابل، يمنح فعل شراء الحقيبة للمرأة وهما وإحساسا بكونها انتقلت من عهد إلى آخر، وشرعت ، بوعي أو بدونه، في تنفيذ مشروع تغيير مجرى حياتها. وهذا يتضح ظاهريا  مما رافق اقتناء الحقيبة من سلوكات وتصرفات وردود أفعال.



في حين ركزت المداخلة الثانية لسلمى المعداني (إشهار “المنزل”) على الآليات المستثمرة في إشهار ” هاتف المنزل”. ومن ضمنها آليات التطويع التلفظي (وإبراز مزايا الخدمات المعروضة) وآليات التطويع الاستهوائي( وهم  التحدث مدة طويلة) التي تتطلب من جهة المتلقي الاضطلاع بالفعل التأويلي ( إما يقبل الانخراط أو يعرض صفحا عنه ، إما يتحفز لاقتناء الهاتف أو يظل حذرا منه). وترى الباحثة أن الوصلة تتعامل مع متلق متوسط يحتاج إلى أساليب الإيضاح لتفعيل “التعاون الـتأويلي”. وهذا ما يجعل المتلقي النموذجي  ينتقد الصورة لكونها شحيحة من الناحية الجمالية ومتخمة من الناحية الدلالية. فعوض أن ترتقي بذوق المتلقي إلى مستوى إعمال فكره وعاطفته، فهي تمنحه بشكل مباشر ودون عسر كل ما يحتاج إليه. وهذا ما جعل اللوحة تغلب الإطناب والحشو والتقريرية على حساب الإضمار و الإيحاء والرمز.


وفي مداخلة أحمد بوعود حول موضوع ( بروز التسويق الثقافي المتعدد بالأمازيغية) استند إلى التسويق الإثني (le marketing ethnique) الذي يستهدف سلالة أو فئة معينة، ويسعى إلى إرضاء متطلباتها الثقافية وإشباع رغباتها الخاصة معرفا بمنتوج ما يستمد نسغه وأصالته من محيط جغرافي ولغوي واثني محدد ( جهة أو بلدة متميزة بمقوماتها الخاصة).


بالجملة، عرفت  الندوة تنوعا في المقاربات ( السميائية والتداولية والنقد الثقافي والنقد النفسي ونقد ما بعد الحداثة) والمواضيع (القانون والآداب والفنون والتسويق والاقتصاد والتدبير) وتجاذبا في الرأي ( طرف يبرز مزايا الإشهار وطرف آخر يحذر من ” الضجيج الإشهاري” وآلياته التطويعية) وغنى وثراء في التحليل والمعالجة ( التوفيق بين المستويين النظري



     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009