حوار مع الروائي أحمد لكبيري/ أجرى الحوار عبد الله المتقي
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=293
الكاتب: mdahi


 حرر في الخميس 17-11-2011 08:41 أ£أ“أ‡أپ

" مصابيح مطفأة - 2004 " و " مقابر مشتعلة " - 2007 " ، روايتان تكادان تقولان كل شيء ، تتنوع الازمنة ، تتعدد زوايا النظر، تتداخل الأصوات ، وتبقى وزان / المكان / التاريخ/الهامش الذي يحبه ، قابعا في الذاكرة منذ زمن بعيد أوقريب .
على هامش المعرض الدولي الثالث عشر للنشر والكتاب الذي نظمته وزارة الثقافة بالدار البيضاء من9 إلى 18 فبراير 2006 ، التقينا معه صدفة أمام قاعة المرحومة مليكة مستظرف ، تبادلنا كلام لعنة الكتابة الجميلة ، هموم النشر الورقي ، أهداني مقابره المشتعلة ، واتفقنا أن ندردش حول تجربته الروائية قريبا .
وبعد رسائل الكترونية عديدة كان هذا الحوار الشيق :

***
1- كيف أتيت الى الكتابة ؟
أتيت إلى الكتابة من قهر اليتم... كنت طفلا صغيرا أعيش بين أفراد أسرتي الصغيرة كما يعيش أي كتكوت في دفء العش وحضن الريش. وفي لحظة غفلنا نسر الموت وحلق في السماء عاليا، يحمل بين مخالبه القاسية روح أمي وهي لا تكف عن الالتفات إلى ثلاث كتاكيت تركتهم عراة للصقيع. لم يكن عمري آنذاك يتجاوز الثانية عشرة. فلم أجد بدا، أمام جدار الحياة الذي كبر علي تجاوزه أو اختراقه، من مواصلة حياتي أخربش على بياضه...تارة أرسم زهورا تشي بتفاؤلي الزائف وأحلامي الملونة، وفي الغالب أرسم دوائر تدل كلماتها وسراديبها التيهاء على أني ما زلت حبيس المكان واللحظة وقهر الموت وصدمة الفراق.
2- بدأت شاعرا ، ثم ريثما اختطفتك الرواية ، هل باتت القصيدة عاجزة عن تحمل هموم الكتابة ؟
أعتقد أن الشعر أسمى إبداع تنهل منه وتحتكم إليه باقي صنوف الإبداع الأخرى. ومن لا تسكنه خيالات وصور الشعر الجميلة ولا تغويه دقة أدواته وجمالية بنائه ولا يستنير بإشراقاته ونبوءة رؤاه، لا أعرف كيف يمكنه أن يكتب في أي جنس أدبي آخر.
وبالخصوص في الرواية، لا أعرف كيف يمكننا تمثل الحالات التي سنكتب عنها، وكيف ننفذ إلى أعماق الأشياء دون أن نكون مسكونين بشيطان الشعر.
إلا أن كتابة الشعر بالمعنى الذي نعرفه والإخلاص إليه. أعترف بأن ما يملؤني من طاقات وكثير من الثرثرات يفترض فيمن يريد التعبير عنها شعرا، أن يكون عبقريا ملهما، وهذا ما لا أدعيه. وباختصار شديد. فاتني أن أكون شاعرا. فهل سأنجح في أن أكون روائيا؟؟؟؟
3- هل الرواية بحاجة الى الشعر؟
أعتقد أن كل كتابة هي في حاجة بشكل أو بآخر إلى الشعر... الشعر كصورة جميلة، ككلمة عميقة، كإحساس نافذ و كرؤية ثاقبة، و إلا كانت كتابة بلا روح وبلا معنى. و الرواية في حاجة ماسة إلى الشعر لتمثل بعض الحالات التي تتطلب تكثيفا في اللغة وصدقا في الإحساس حتى تظهر على حقيقتها ويبرز عمقها. وأظن أن الشعر هو الذي يجعل عملا روائيا متميزا عن الثرثرة.
4 - ماذا يعني كونك روائيا في زمن العولمة ؟
بكل صدق أقول لك إن كلمة روائي أحسها ثقيلة ووازنة، وسأكون ظلوما جهولاإن قبلت تحمل أمانتها في هذا الوقت الذي ما زلت أحبو فيه على العتبات الأولى من أدراج الأهرامات العظيمة لمدونة السرد...لكن مع ذلك أسمح لنفسي أن أقول لك إن كان علي أن أكون روائيا. فهذا الزمن المعولم الذي نعيش في براثنه وطغيانه وجبروت أهله، فهو الأجدر بكتابة الرواية والإخلاص إليها. وليس لي من مبرر للتشدق بمثل هذا القول ، إلا ما أحسني ملزما به من فعل، لمقاومة ثقل الزمن وقلق الوجود وتفاهة اليومي الذي صار مفروضا علينا أن نحياه بدون معنى...فالكتابة ، بالنسبة إلي، هي إعادة المعنى لوجودي ولوجود أبناء جلدتي والمقهورين على صفحات من ورق، بعدما غدا هذا المعنى شبه مستحيل على وجه الأرض...الرواية هي رغيفي الطازج الذي أود أن أقتسمه بمحبة كبيرة مع الآخرين. ولك أن تتصور المراحل التي يمر منها الرغيف قبل أن يصبح طازجا.
5- هناك دائما مقتبسات في عتباتك الروائية - منيف ، الماغوط - ، أهي فتح لشهية القارئ،أم برمجة له ؟
اسمح لي أن أخيب ظنك، وأقول لك لا هذه ولا تلك...إنما تلك المقتبسات التي أجعلها ضمن عتبات النص الأخرى أحرص في انتقائها على سببين أساسين:
أولا: أن تعكس محبتي وتقديري لأصحابها. وكلا الكاتبين كما تلاحظ، لم يعودا على قيد الحياة... وباستحضار إسميهما في كتبي أعلن محبتي الدائمة لهما ضد كل نسيان.
وثانيا: لأن تلك المقتبسات فيها من العمق ما يترجم بشكل أروع ما أرغب في قوله عن نظرتي للكتابة وهدفي منها.
. فأي اقتباس لن يشفع لك لدى القارئ إذا كان نصك رديئا. وأنا أقدر كثيرا القارئ الذي يعرف كيف يضرب ماهو تافه وسطحي من النصوص مع الأرض حتى تخرج مصارينه.
6- للحلم نصيب في " مصابيح مطفأة " ، حلم السارد ، وحلم ليلى ، هل هي رغبة في فتح السبل للكتابة كي تتنفس اكثر ؟
إذا سلمنا بأن الحلم هو تلك الإطلالة التي يختلسها الشعور ليتلصص عما يوجد من مكبوتات وأماني في اللاشعور متى غاب الرقيب، يمكن أن يصبح الحلم في الروايتين معا" مصابيح مطفأة" و"مقابر مشتعلة"، تنفيسا من جهة على الكتابة المحتقنة في الغالب بالعديد من الإكراهات الممارسة عليها، ومن جهة ثانية يمكن اعتابره بمثابة جواب وتفسير لكل تلك الرغبات في البوح التي تظل عصية على القبض في حالة الصحو. وأعتقد أنه متى صار الواقع بمثابة جدار من الاسمنت المسلح ويئسنا من نطح رؤوسنا معه، تحايلنا على خوض المعركة بنقلها إلى فضاء الحلم لنعيش انهزامنا بوهم الانتصار. لكن هل نجحت في توظيف الحلم لتفسير الواقع فنيا وتجاوز خطوط الصحو؟ ذلك هو السؤال.
7- السعيد يخرج الى الشارع مجنونا وعاريا ، والمعلم الخياط يتعرى والصناع متعودين على جنونه ، مالسر في هذه العلاقة بين العري والجنون ؟
قد لا تكون هنالك علاقة علمية بين الجنون والعري، ولكن ربما هي تسربات من واقع المجانين الذين صادفتهم طول حياتي، والذين كانوا في الغالب عراة أو على شفى العري، قفزت إلى لا وعيي أثناء الكتابة لأعبر عن جنون شخوصي وثورتها على واقعها، بتعريتها. لكن يظهر أني لم أوفق في ذلك، ما دام العري أصبح موضة العقلاء وتعبيرا عن حضارتهم التي لا يبخلون بتصديرها إلينا بكل ما يملكون من إمكانيات ووسائل. فبدائية الإنسان عري وخاتمته عري. فأين الجنون؟
8- أي رهان تتغياه من انطفاء الإضاءة، وإضاءة العتمة من العنوان ؟
هذه المفارقة في العنوانين، بقدر ما يمكن حملها على محمل تأويلات متعددة، بقدر ما يمكن اختزال دلالتها في ثنائية النور والعتمة. وقصدي إذا كشفته سيفسد على القارئ كل إمكانية للتأويل.
9- هل يمكن كتابة رواية بلا عنوان؟
ممكن جدا. فقط يتعين عليك عندما تفكر في تقديمها أوالحديث عنها لقرائك، أن تحكي تفاصيلها من البداية إلى النهاية. لأنه بكل بساطة، سيعوزك تلخيصها في عنوان. وأتركك تتأمل فكرة أن تكون لك روايات متعددة دون عنوانين. ساعتها عليك أن تصبح قارئ فنجان وليس روائيا كي تفك بعضها عن بعض. وأسألك هل تستطيع أن تميز بين أوراق اللعب وهي ملقاة على وجهها على طاولة القمار؟
10 - بين مصابيح مطفأة ، ومقابر مشتعلة أكثر من تقاطع : المحجوب ، وزان ، ازابيل
و...هل نحن أمام ثنائية روائية ؟

نعم "مقابر مشتعلة" تتقاطع مع مصابيح مطفأة في جوانب عديدة و يمكن اعتبارها استمرارا لها، لكني حرصت أن تكون على المستوى الفني و الموضوعاتي أيضا، مستقلة بذاتها ويمكن قراءتها دونما حاجة لمصابيح مطفأة كي تضيئها.. فالرواية حياة و الحياة لا تتوقف عند نهاية مرحلة أو بداية مرحلة أخرى. وقد تشكل مقابر مشتعلة بداية لعمل ثالث.
11 - رسم السياب جغرافيا جيكور ، وأنت جغرافية مدينتك وزان ، فما سر هذا العشق المتنامي بينكما ؟
أعتقد أن الوطنية الحقة تبدأ بالإخلاص في محبتنا لنسغنا الأول. فوزان هو وطني الصغير حيث عشت أجمل وأتعس فترات عمري. وإخلاصي في هذه المحبة وعشقي الدائم لهذه المدينة هو الذي دفع بي لاختيار الكتابة عنها. فهي مدينة عريقة ولها أفضال كثيرة علي وعلى العديد من الناس وعبر عدة قرون. وأرى أنها تستحق وضعا أفضل بكثير من هذا الوضع الذي تعيشه الآن. وعشقي لهذه المدينة والكتابة عن وجهها المجروح هو محاولة مني لإسماع صرختها ضدا في كل إقصاء أو تهميش.
12- ماذا بين روايتيك ، وسيرتك الذاتية ؟
بيني وبين الروايتين معا، ضمير المتكلم وتفاصيل المكان وزمن الحكاية. لكن بطل الروايتين اسمه المحجوب وأنا اسمي أحمد وأظن أن الفرق بين الإسمين، إذا لجأنا إلى حساب الجمل الكبير، سيؤدي حتما إلى برجين مختلفين أحدهما ناري والآخر هوائي.
13- تزخر كتابتك بالايروسي ، ألأن شخصياتك جائعة جنسيا ، ام تعرية لأنشطتها الجنسية بعيدا عن الرقابة؟
أولا يجب أن نتفق على أن الجنس مسألة مرتبطة بحياة الناس أينما كانوا وأينما ارتحلوا، وأنا ككاتب لا يمكنني أن أستثنيه من حياة شخوصي داخل الرواية. فقط أنه لا ينبغي فهم توظيفه على أنه رغبة مني في إثارة مشاعر الآخرين أواستفزازهم. بل بالعكس هو انتقاد مني لما أعتبره خللا في تعاطينا مع الجنس و منظورنا إليه. بمعنى آخر أريد لهذه الشخوص أن تظهر على حقيقتها حتى نضع الأصبع على مكمن الخلل. أما مسألة الجوع أو الإشباع الجنسي فهي مسألة غير دقيقة و تبقى نسبية جدا لان توازن المرء واندماجه داخل منظومة اجتماعية معينة يفترض تداخل عدة محددات قد لا يشكل عنصر الجنس فيها، رغم أهميته، لدى البعض إلا نسبة ضئيلة.
14 -هذه السخرية المدسوسة في كتابتك حد السواد ، أهي لعب مع الواقع ، أم ضحك منه ؟
السخرية فيما أكتب يمكن شرحها بالمثل المغربي الدارج الذي يقول"إذا كثر الهم يضحك" وأنا من شدة ما أحسه من آلام تجاه ما يحدث في الواقع وفي الخيال أحيانا، لا ينفعني للفكاك منه إلا القهقهة. فأنا من النوع الذي لا يخجل من أن يسخر من نفسه. وأعتقد أن السخرية فوق الضحك والتشفي. لأن مصدرها الألم والشفقة وليس الفرح. والسخرية معطى غير مكتسب ليس يملكه أي كان.
15- تعيد للواقعية سحرها ، أهو موقف من التجريب ؟
صدقني إن قلت لك، إني كاتب ليس لي من التكوين في نظريات الأدب وسيرورتها، ما يجعلني أضع إطارا أحدد فيه ما سوف أنتجه من نصوص. فأنا خريج كلية الحقوق وما أكتبه يجد مرجعيته في نظرتي المتواضعة لما أريده لنصوصي أن تكون عليه. وهي أن تكون ممتعة، أن يجد القارئ نفسه معنيا بها، أن تكون مقنعة حد الصدق، ثم ما هي رسالتها للقارئ؟ غير هذا لا أفكر به. وليس عندي موقف من أي صنف أدبي أو شكله. فقط أحترم ذائقتي في اختيار ما أحب أن أقرأ. مع احترام ذائقة الآخرين إذا لم تعجبهم نصوصي.
16 - سي احمد ، اذا ما واجهك المحجوب باحتجاجه على الخاتمة التي اخترتها له ، فماذا تقول له ؟
أولا، ينبغي أن نفهم بأنه لا خاتمة في الحياة إلا خاتمة الموت. والمحجوب لم يمت والدرك الأسفل الذي هوى إليه، قد يسعفنا الخيال أن نخرجه منه. فهو لا يزال شابا وله في فرنسا طفل. وقد يعثر على الخاتم السحري. فتصبح معاناته في" مقابر مشتعلة" مجرد تجربة أو محنة من محن الحياة التي سيكون له الفخر والاعتزاز أن يحكيها في آخر أيامه. ألا تشاهد الأفلام الهندية أم ماذا؟
ومع ذلك سأقول له:" كل شيء يا صديقي المحجوب في الحياة بثمنه. وما انتهيت إليه هو ثمن لاختياراتك. ويكفيك فخرا أنك محجوب وفاضح في نفس الوقت"
17 - ماذا تعني لك هذه الاسماء بكل اختزال:
* الأستاذ عبد الكريم غلاب: لا يمكنني أن أتحدث عنه بكلمة مقتضبة، وإن كان ولابد، فاسمح لي أن ألخصه فيما يلي:" هو رجل أدرك سر الحياة فعمل به. طموح بسعة الحلم وعمل لا ينتهي واعتدال دونما تطرف. أطال الله عمره.
* أنيس الرافعي: قاص مختلف، له أسطورته الشخصية مؤمن بها حد الاعتقاد. وله من الذكاء والدهاء والمعرفة ما يؤهله ليكون جديرا بكل تجريب.
* الناقد الأدبي محمد معتصم: ناقد دقيق برؤية علمية وحدوس المتصوفة، يعيش بساطة الحياة بمشاريع كبيرة تفك المعقد والمتشابك في ثنايا النصوص.
* زهور كرام: نحلة جبلية متعددة المراعي وشرابها مزيج من القرنفل وعبق المدينة. بروح شفيفة ويد معطاءة سواء في النقد أو الإبداع.
* مليكة مستظرف: صديقة عزيزة أضافت لي بعد رحيلها المبكر والمؤلم، جرحا آخر، علي كي أنسى قليلا ،أن أخربش على بياض جداره الكثير من السواد.
* فاطمة بوزيان: عملة بوجه واحد، تجيد فن القص وتتقن فتح النوافذ لتقول لكل الدنيا" هذه ليلتي". وهي جديرة بكل الاحترام.
18 - لم قبلت الإجابة عن أسئلتي ؟
لأنه إذا أضفت إسمك إلى اسمي " الكبيري المتقي" سيجعل الله لي مخرجا.
ولأنه شرف لي أن يحاورني مبدع دقيق وقارئ ذكي فرض علي محبته واحترامه من أول لقاء.



     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009