جريدة المساء تحاور د. محمد برادة
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=347
الكاتب: mdahi


 حرر في الخميس 14-06-2012 10:08 أ£أ“أ‡أپ

1: يجب أولا أن ندقـّـق التعـبـيـر ومحتوى السؤال:ذلك أن المثقف المغربي لا يوجد في عـزلة،بل هو دائما حاضر من خلال إنتاج خطابات المجتمع،وتحليل التحولات والصراعات.من يتولى التعبيـر عن المجتمع قديما وحديثا؟أليس هم المثقفون على اختلاف اتجاهاتهم واختصاصاتهم؟وهل يمكن أن نتصور مجتمعا يعيش في صمت مطبق،من دون خطاب يفصح عن وجوده ويلتقط أسئلته؟المثقفون لا يحكمون وإنما يفكرون ويتخذون مواقف وتأثيرهم يـمـر عبر قنوات متعددة. وإذا كان هذا التأثـيـر غير واضح،فالخلل يعود إلى العلاقة بين السياسة والثقافة ووسائط الحـوار...ثانـيا،الإسلاميون في المغرب لا يمتلكون السلطة،هم حزب من بين أحزاب،لهم مسؤولية رئاسة الحكومة ضمن دستور يحدد المسؤوليات والسلط لمدة محددة،وقـراراتهم معرضة للقبول والرفض،والسلطة العليا ليست بيدهم.إذن،كيف يتخوف منهم المثقفون؟ لكن علينا أن نمـيـز بين السياسي والثقافي:ذلك أن الأول،كيفما كان اتجاهه،يظل مشدودا إلى الظرفي والفعل المباشر،بينما ينــدرج عمل المثقف وإنتاجه في المدى الأبــعد،لأن الثقافة تحتاج في وجودها وتحولاتها إلى أمـد أطول،وإلى جهد أكبـر.على ضوء ذلك،لا أرى أن هناك ما يدعو إلى التخوف،خاصة وأن البديل الثقافي الذي قد يقتـرحه الأصوليون أو المتزمتون، هو بديل ينتمي إلى الماضي، ولا يتفاعل مع أسئلة المجتمع الراهنة،المتصلة بالثورة العلمية والتكنولوجية وتدبيـر شؤون المجتمع على أساس من العقل والموضوعية.لأجـل ذلك،أقول إن الثقافة والمثقف لا يعانيان من العزلة،وإنما هما مطالبان بـإعادة التحليل والتقويم،والتصدي لأسئلة المستقبل ولـما تـطرحه الساحة الكونية من حلول ومقتـرحات.ومثل هذا الاختيار والتوجـه،لا يمكن لخطابٍ ماضـويّ أن يعـطله . وكل تضيـيق على حرية الفكر والإبداع مــآلـه الفشل في عالم اليوم القادر على تكسـيـر الرقابات وأنواع الحِــجـْــر المختلفة .
2)وضعية المـرأة في المغرب باعـثـة على التفاؤل،لأن النضال النسائي داخل الأحزاب وعـبـر الجمعيات،اسـتطاع أن يـنـتـزع مكتـسـبات على جانب كبيـر من الأهمية،سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي . لكـن بالنـظـر إلى "عـراقة" مجتمعنا في الذكورية والبـطـريركية(سلطة الأب)،فـإن المـرأة ومعها الرجل الديمقراطي،مـُـطالبان بمواصلة النضال والعمـل لتحقيق المزيد من المساواة،وتـحـريـر المرأة من أنواع الوصاية المختلفة .ذلك أن ذهنيـة "الرجل الذكوري"لا تـتـقــبّـل أن تمارس المرأة حـريــتها بوصفها كائنا عاقلا،ذكيا،من حقه أن يختار صيـغة حياته.ومن ثـمّ ذلك التعـلق الأبدي بحقه في الوصاية على المرأة ! غـيـر أن الحديث عن المستقبل والتغـيـيـر هو دائما مـرتبط،في التاريخ،بضرورة تحرير المرأة وإنصافها من ظلـم الرجل وأنانيـتـه.
3 :تـعـثـُّـر التعليم في المغرب له جذور تعود إلى ما بعد الاستقلال ،حيث دخلنا في تجارب مـرتجلة أدت إلى التخبط والاضطـراب،وأصبح من الضروري كتابة تشخيص تاريخي لـفـشل التعليم بالمغرب،وفــشـَـل مشاريع الإصلاح العديدة التي آلت ،طوال أكثر من 30 سنة،إلى الفشل بدورها .وما يسـتـرعي الانتـباه في هذه المسيـرة التعليمية،هو أنه ابتداء من سبعيـنات القـرن الماضي،ظـهـرت قـرارات وإجـراءات تـرمي إلى فـرض نوع من "التصـنيف الطبقي"انطلاقا من سياسة التعليم .وهذا ما جعلنا نلاحظ اللجوء إلى مباريات الدخول في بعض الكـليات،وإلى تهافت أبناء الأغنياء على مدارس البعثة الفرنسية ثم الأمريكية،وفتح أبواب جامعة الأخويْن أمام من يستطيعون دفع تكاليفها المرتفعة؛أي أن المدارس الحكومية والجامعات فقـدت مصداقيتها،وتـدَنـّــى مستواها،وقـُـلـّـصـَــتْ ميزانيتها،ليظل طريق التعليم المعقول مفتوحا فقط أمام أبناء القادرين على تكاليف المدارس الخاصة والجامعات الأجنبية في الخارج...وهذا التصـنيف الذي نـُـعايـنه اليوم ليس مجرد صدفة في نـظـري،لأن الحاكمين والمتحالفين معهم خطـطـوا لكي يصبح أبناؤهم هم الـوارثون للسلطة والامتيازات عن طـريق التعليم ومستواه ونوعيتـه. يـضاف إلى ذلك،إنـشاء "التعـليم الأصـلي"أو الأصيل،ذي التـوجـه الديني الذي زاد في تـوسيع خارطة التصنيف الطبقي،وأسـهم في تـعـتـيـم عقلية التلاميذ والطلبة "الأصيـليـين"،وهـيـأهم لاستـقبـال إيديولوجيات أصولية،متـطـرفة . لا مناص،إذن،عندما نفكر في أزمة التعليم من البدء بتجلية هذه الجوانب المسكوت عنها في تاريخ "إصلاح"التعليم.
الآن،هناك اقـتـناع بأن التعليم الجيد هو الشرط الأولي لتحقيق التـنمية المسـتدامة والـولوج إلى عصر التقنيات التواصلية
والــرقمية،وهو شعور جيد شـريطة ألا نسـير في نفس الطريق التي سلكناها لإصلاح التعليم،أي تـكليف نفس اللجنة التي استـمـرت عدة عقود تبحث عن إصلاح مفقود،وكلما فـشل مشروع من مشاريعها أعـادوا تكليفها من جديد،وكأنها وحدها التي تملك أسـرار الإصلاح المنــشود !!! أنا شخصيا لا أتـوفـر على وصفة جاهزة لإخـراج التعليم من مـأزقـه،ولكنني أرى أن فتح الحوار بين من لهم علاقة بالتعليم،انطلاقا من أسئلة جـدية تـُـراعي مقتضيات العـصـر،وحاجيات الاقتصاد والقـيـم الضرورية للمواطنة،هي الخطوة الأولى لتحسيس الشعب بالطابع الاستعجالي لإصلاح التعليم.إنه لا يمكن إصلاح التعليم بين جدران مغلقة ودون مـراجعة التصنيف الطبقي الضمني الذي أدتْ إليه سياسة التعليم منذ الاستقلال.
4-أظـن أن الثقافة المغربية،بالمعنى الواسع،هي دائما في دوّامــة التـغـيـير،نتيجة لحتمية التفاعل مع ثقافات العالم والأسئلة المتناسلة التي تـنـبع من المجتمع.لكن عمق المشكل يتـمثـل في التـرويج للثقافـة الجدية وتوصيلها إلى أكبر جمهور من خلال الحوار والجدال . وكما نعلم،ثقافتنا وثقافة العالم خاضعتــان أيضا لتـأثـيرات ثقافـة التسلية والإبداعات السطحية.وهـو سيـاق يـفـرض التمحيص النقدي ومـراجعة مضاميـن الإنتاج الثقافي والفني،بـتـرابط مع أسئلة الواقع الملموس . وفي العقود الأخيرة،وقــعَ التـنـبيـه إلى أهمية دور الثقافة في الـتـنـمية،ولكن الآراء ظلت موزعة بشأن هذا الدور،لأن هناك من رأى أن الأسبقية هي للاقتصاد والثقافة يجب أن تخضع لمقتضيات السوق والتـسـليع والـربحية؛ وهناك من اعـتـبـر الثقافة ضمــانة للوصول إلى حد أدنى من القيـم الأخلاقية والذوقية والجمالية،تعطي لحياة المواطن معـنى داخل هذا العالم الذي يـفقـد أكثر فـأكثـر دلالتـه الإنــسانية .لأجـل ذلك،عليـنا ألا ندعو إلى التنمية دون تحديد أهدافها المادية والروحية.وأرى في نهاية التحليل،أن الثقافة تكـتـسب حيويتهـا وانطلاقتها من عمق الأفـق الذي يـرسمه المجتمع لها،آخذا في الاعتبار القـيم الكونية والحرص على إقامة حـوار مثـمـر بين الجوانب المشرقة من الـتـراث وثقافة المستقبل . بـتـعـبـيـر آخـر،دورُ الثقافة في التـنـمية يـتـصل بالمضمون الذي نريد أن يـتـوفر عليه المواطن:هل المقصود ضمان الخبز وَ"العَــلـَـف"فقط؟أم بـِـناء مواطن يفكر،ويتذوق الفنون ويؤمن بمبادئ ومثل إنسانية تسنـد رحلته في الحياة
5) :مـا يقدم في وسائط الإعلام بأنواعها المختلفة،يعكس مستـوى المسؤولين عن هذه الوسائط،ويقدم في الآن نفسه صورة عن غياب تـصور ناضج لدى الدولة . من هنا،نلاحظ اتجاه وسائطنا الإعلامية إلى استـيـراد البرامج والأفلام دون تـميـيـز،وإعطاء الأسبقية للتـسلـية البــليدة،والفـُـرجة الرخيصة .هناك غيابُ الوعي بأهمية هذه الوسائط ودورها في تـثـقيف الناس والارتقاء بذوقهم،وشحـذ فكرهم النقدي . وبالنسبة للإعلام المكتوب،أجـد أن الجرائد والمجلات تحاول الاهتمام بالثقافة،إلا أنه اهتمام يظل مشدودا إلى الماضي ويفتـقـر إلى تـبـريـز توجُّهات الثقافة الحديثة التي تواكب تبدلات حياة المجتمعات . يضاف إلى ذلك،أن الجوانب التقنية والإخـراجية لا تـرتقي إلى ما تقدمه أسواق الثقافة العالمية. أنــا أتصور أن الإعلام المكتوب يستـطيع أن يضطــلع بدور أكبر في مجال تحريك الأفكار،ودفـع القراء إلى أن يكونوا أكثـر تفاعلا مع ما يحدث داخل بلادهم وخارجها،لأن المادة المكتوبة تـتـيـح للمتـلقي أن يعيد القراءة والتفكير وتجعله قادرا على تشغـيل عقله،والاحتكام إلى حـريـتـه في اخـتـيـار ما يـروقه ويستـجيب لـرغبته الفكرية والشعورية.
6) :أريـد أن أوضح أنني لم "ألــعب"قـط مع السياسة لعبة النسـيان؛ولذلك لا بــدّ من فـهم عنوان روايتي فهما دقيقا يتصل بالدلالة المعقدة التي يشـير إليها العنوان.أنا أقصد بلعبة النسيان ذلك الموقف الذي يلـجــأ إليه الإنسان عندما تـحاصـره أسئلة وجودية وميـتافيـزيقية ولا يجد سوى النسيان المؤقت،ليجدد ذاكـرته وتفـكيـره ثم يسـتأنف رحلة الحياة. بتعـبيـر آخـر،النسيان جـزء من الذاكرة التي لا تستطيع أن تستـحضـر كل ما نعيشه،ومن ثـم حاجتها إلى النسيان...أما علاقتي بالسياسة فهي قديمة ومتواصلة،إلا أن هذه العلاقة تـتـغـيـر بحسب السياق والـعـُمـر والوقت المتاح. وأنا من الجيل الذي ارتاد مجال النضال والتــسـيُّـس في ســنّ الحادية عشرة،أي منذ 1949،وهي علاقة مسـتـمـرة لكن في شكل آخـر،لا يقوم على النضال داخل حـزب،وإنما من خلال متابعة قضايا البلاد والتفكيـر في إشكاليات الحاضر والمستقبل،ومتابعة الكتابة والإبداع لـتـقديم رؤيتي إلى العالم.السياسة تشغل الجميع سواء الذين مارسوها وأخطأوا،أو الذين أخطأوا لأنهم لـم يمارسوها ! لا منـاص:السياسة بمعناها العميق شـرط ضروري لاستـكمال مقومات وجودنا وحـريـتـنا.
7) :أظــن أن الجفاء بين السينما والرواية المكتوبة عندنا،يـعود إلى عوامل ظـرفية،أهمها أن المخرجين المغاربة أعطوا الأسبقية للخبرة العملية التي اكتسبوها من كتابة السيناريو ،ثم وجدوا أن الاستمـرار في كتابة السيناريو إلى جانب الإخراج
والمونتاج وربما الملابس والديكور،يجعلهم يربحون أكثـر؟ وفي المقابل،لم يبـذل الروائيون جهدا للدخول إلى عالم كتابة السيناريو،فظـل هذا التـباعـد قائما . الآن،وبعد الأشواط المقطوعة،تـبـيـن أن المخرجين الذين يـصـرون على كتابة أفلامهم إنما غـالبا ما يكـررون أنفسهم،ولذلك بدأوا يلتـفتون إلى اقتباس بعض الروايات،ليجددوا متـخـيل السينما،ويوسعوا فضاءها.
وأظـن أن الشروط بدأت تـتـوافـر لكي يتـخذ المخرجون من الروايات المغربية الـمتميـزة،مادة لأفلامهم،وهو أمـر يتـطلب تنظيم حوارات منتظمة بين رجال الأدب ورجال السينما،خاصة في هذا العصـر الذي يـتمـيـز بتفاعل كل فنون الإبداع وأشكــالـه.
8)ظاهـرة الجوائز الإبداعية والفكرية التي تـتـبــناها مؤسسات خاصة ورسمية في معظم دول الخليج،إيجابية ولا شك، لأن المبدعين والمفكرين والكتاب في العالم العربي لا يستطيعون أن يعيشـوا من أقلامهم،على رغم أنهم يـنـتمون إلى فضاء يـسكـنه 300 مليـون نسـمة؛لكن غياب سياسة ثقافية عربية تسـتـثـمر هذه السوق،ووجود خلافات سياسية بين معظم دول هذا الفضاء،يـؤديان إلى عـرقلة الاستفادة من اللغة المشتركة،ومن الإنتاجات الفنية والأدبية المطلوبة في السوق العربية الواسعة .لذلك فإن ما تقوم به بعض دول الخليج من شـأنه أن يفتح نوافذ أمام المبدعين في المغرب وفي بقية الأقطار العربية،خـاصة وأن معظم هذه الجوائز لا تفـرض شروطا تـحد من حرية الكاتب والمبدع.وأود أن أشيـر أيضا إلى مشروع الصندوق العـربي للثـقافة والفنون (آفــاق AFAQ )الذي يوجد مقره ببيروت،ويـرأسه د.غســان سلامة،وأنا عضو بمجلسه التـنفـيـذي،وهو صندوق يدعم مشاريع الإنتاج في الأدب والسينما والموسيقى والمسرح،ويتلـقى تمويله من مؤسسات اقتصادية وتنموية أجنبية وعربية،من دون شروط أو توجيهات.لكن للأسف،تظل مساهمات الأغنياء العرب في تمويل مثل هذه المشاريع الجيدة جـد محدودة . وبالنسبة للمغرب،نحن بحاجة إلى جوائز خاصةٍ، يمولها الأثـرياء المتنورون ومُحبو الثقافة،لـيتمكن الإبداع من تـدعيم مسـاره .وأغـتنم الفرصة لأوجـه نداء إلى أغنيـائنا في المغرب ليـتـبرعوا لصندوق "آفـاق" الذي يسـتـفيد منه مـبدعون مغاربة،وتغيب عنه مساهمة أثأريائـنـا المـُـتـنورين.
9) لا يمكن القول بأن الرواية المغربية توجد في "غـرفة الانتظار"راهـنا،بل هناك تـزايد في كميـة إنتـاجها،وظهور أسماء جديدة،لكن الإشكال يتـمثـل في التـوزيع والتـرويج وإيصال الإنتاج إلى جمـهوره المحتـمـل.وأرى أيضا أن الصفحات الثقافية للصحف لا تـُـتــابـع هذا الإنتاج الروائي،ولا تكلف نفسها عناء قـراءته وإبداء الرأي في قيمته. وهذا مـا ألاحظه في حواراتي مع الصحفـيـين المغاربة،إذ يـريدون أن تلخص لهم مـا كـتـَـبـتـَــه وتجيب على السؤال الفضفاض،من دون أن يكون للصحفيّ المـحاوِر رأيٌ في الإنتاج المنشور. المبدعون يـنـتـظرون من الصحافة دوراً أكثـر جدية وموضوعية. أمـا بالنسبة إلى ازدهار القصة القصـيرة،فـهو راجـع في نـظري إلى عامـلـيْـن :الأول يتـمثل في قيام قاصّـين ونـقاد بتكوين مجموعات تهتـم بالبحث في تاريخ القصة وأشكالها واتجاهاتها عربيا وعالميا،وهو ما ساعد على الترويج للقصة واستجـمع جـمهـورَها المحتمل.وهو دور مهم لأنه لا يكفي،في بلد مثل بلدنا،أن تكتب وتعتبـر مهمتك منتـهيـة؛لا بـُد من أن يسـهم الكاتب في توصيل إنتاجه إلى القراء...والعامل الثاني،هو أن القصة القصيرة تـبـدو،من حيث الشكل،مناسبة أكثـر لالـتـقاط اللحظات المتشابكة،الغامضة،المتـحولة،التي يـمـرّ منهـا المجتمع المغربي حـاليـا والتي هي فتـرة انتقال وتـبدل في كل المجالات.والقصة قادرة على التقاط هذه "اللحظات الهاربة"التي تـتــَــتـالى وتـتـراكم لـتـبـلور مرحلة تاريخية أوضح،لم نـتـَـبـيـّن بعد جوهرها.
10) من غـيـر المناسب ولا المـقنع،أن ننطلق في تحليلنا لخارطة الثقافة العربية الشاسعة والمتنوعة،من افـتراض "مَـْركزٍ" و"محيط"افتراضا يقوم على التفوق والـتبـعية...بل الأقرب إلى الموضوعية افـتـراض علاقة التنوع والتكامل وتـبادل التأثير. وهي سمات توجد داخل هذا الفضاء العربي منذ أمد طويل.وبطبيـعة الحال،الثقافة لا تظـل ثابتة،محتفظة بمستوى واحد.هناك فترات ازدهار وفترات ركود،ولحظاتٌ للتحول ضمن فضاء ليس بدوره ثابتا نتيجة للمثاقفة العالمية وتجـدّد المبدعين والمفكرين. صحيح أنه من الناحية التاريخية،يوجد تـفاوت في ما يتعلق بالاتصال بأوروبا وحضارتها والتوسع المــديــني وما يرافقه من تحديث،لكن كل ذلك لـم يـُـلـغ الخصوصية الثقافية لكل بـلد عـربي،على رغـم أنظمة الحكم الاستبدادية التي رفضت الاعتـراف بالأقليات وقمعت تعـبـيراتها الثقافية واللغوية.أما الآن،فكل قـطـر عربي يأخذ مكانته وتحظى إنتاجاته بالتقيـيـم والاعتـبـار.مع ذلك،هناك إشكاليات مشتـركة،على الصعيد العربي،هي بحـاجة إلى إعادة طرحها
ومناقشتها على ضوء الانفجارات الشبابية المطالبة بالديمقراطية وحقوق المواطنة.وهو سيــاق يحـتم على مجموع البلدان العربية أن تطـرح كل الأسئلة المسـتـقبلـية من دون اسـتــثـناء أو تـأجيل . أفكر ،مثلا،في إشكالية الدولة الدينية والدولة العلمانية ودورهما في بناء مجتمع قادر على أن ينخرط في سيرورة الثورة العلمية والتكنولوحية.مثل هذه الأسئلة هي التي توحـد العالم العربي وتدفعه إلى مجاوزة الفشـل الذي رافـَـق مشاريعه النهضوية منذ مطلع القرن العشرين.وأيضا في طليعة أسئلة النهضة المؤجلة:هل نسـتـمر في الاحتكام إلى قوانين السماء والفكر الغيبي،وخرافة العادل المستبد؟أم نستقـري التاريخَ ونتعلم كيف نربط السياسة بمصالح البشر الذي يعيشون على الأرض ويهتدون بالعقل؟
11)ليس من الثابت أن الكتابة الأدبية تـغـيـر الواقع،لأن التغــيــيـر الملموس يـتم من خلال أفعال تنـجـزها قوى اجتماعية تمتلك رؤية وتصورات تقدم ما هو أفضل.لكن يمكن أن تسـهم الكتابة في تـخليـق وعي جديد،وبلورة طرائق في الإحساس والتفكير تسعف على تـنويـر قــوى التغـيـيـر.على ضوء هذه الملاحظة،لا يجوز القول بأن الكتابة الأدبية هي مجرد اجـتـرار وتـكرار،لأن حكمنا عليها يجب أن يعتمد على القراءة والتـقـيـيـم القائم على التحليل.وأنا أرى أن هناك تقيـيـما جزئيا للأدب المغربي لا يخلو من إيجابية،دون أن يغـامـر أحد بالقول بأن هذا الأدب هو الذي سيكون وراء التغـيـيـر. من ثـم يجب ألا نـُحـمـّل الأدب أكثـر من ما هو مـهـيـأ لـه،وأن نأخذ الـنسبية في الاعتبار عند محاولة تقييم هذا الأدب الذي لم يتجاوز عـمرُه خمسين سنة.
12)أعـتـقد أنه لا مناص من تحديد محتوى "مجتمع حـداثي"،لأن هذا المصطلح لا يـُـحيـلنا على دلالة واضحة ومضبوطة. وفي طليعة معضلات المصطلح،أن نحدد من أي موقع نـتكلم،وأي مـرجعية نستـند إليها؟هل سبيـلنا إلى الحداثة سيعتـمد اسـتـيراد نموذج "جـاهـز"مثـلما نستــورد سيارة أو آلات؟أم نريد حداثة تـتـبـلـور من خلال اقـتـران الفعل بالتفكـيـر،وقـراءة التاريخ من منظـور نقدي؟وما هو المستقبـل الذي نريد تحقيقه استنادا إلى "الحداثة"؟كثيرة هي الأسئلة الشائكة التي نواجهها ونحن نطرح السؤال بـهذه الطريقة المسـرفة في التعميــم.وبالنسبة لـلـشـقّ الثاني من السؤال،لا يمكن أن نقول عن المجتمع المغربي إنه يتـخبط في دائرة مفـرغة،لأنه حُكـْم ينفـي التاريخ،ويفـتـرض جمود الوعي والفكر.لذلك يكون أقـرب إلى الواقع أن نقول بأن المغرب يعيش مـرحلة مخاض وهو في طـريقه إلى الديمقراطية والعدالة.وهذه المسيرة،منذ الاستقلال،تـفرز عدة اختيارات،وتـبـلور الصراع بين قوى اجتماعية ذات توجهات متـبـاينة،ومن بينها قوى تسـعى إلى تحديد مضمون حداثة متكاملة العناصـر،تشمل جميع المـرافق والمجالات.إن التجربة التاريخية عندنا وعند مجتمعات أخرى،أثـبـتـت أنه لا يكفي أن نقول إن الحداثة متوفـرة لدينا في الأدب والفنون وتحديث وسائل العيش،لأن مثل هذه الحداثة تظل هــشـة،مهددة بالزوال ما دامت لا تسـتنـد على أسس اقتصادية وسياسية وفكرية،تـؤثـر في الذهنية والسلوك والتـعاطي مع الحياة...ومثل هذه الأسس لــم تــتــوافـَــر بعد،لكن ذلك لا يعني أن مجتمعنا يدور في حلقة مفرغة،وإنما هو يـتـلمس الطريق الصحيح للانتقال من الفكر الماضوي والأصولي والمـخـزني ،إلى مرحلة إعادة تنظيم المجتمع ديمقراطيا والانخراط في عالم المعرفة والعقلانية .وأرى أنـه على ضوء ما يجري في العالم،وعلى ضوء ما عـبـر عنه ملايـيـن الشباب في العالم العربي،لا مناص من أن يتـولى الشباب تحديد مضمون الحداثة التي نحتاجها،ولا مناص من أن يضطـلع هو بالدور الأساس في إنجاز هذا التغـيـيـر،لأنه يملك وسائط المعرفة ويؤمن بأن لغة المستقبل أفضل من أسـاطـيـر الماضي.
محمد بـرادة 7-6-202


 


 



     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009