نظام التربية والتكوين: واقع وآفاق، حوار مع د.عبدالله الأشقر، أجراه د.محمد الداهي
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=440
الكاتب: mdahi


 حرر في الجمعة 24-01-2014 11:22 أ£أ“أ‡أپ

س:تتميز محتويات ودعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين بالتماسك والاتساق، وتستجيب لمستلزمات الإصلاح المنشود. ألا ترون أن بلورة خلاصاتها ونتائجها داخل إطار مسطري اتسمت بالبطء، وقد تفضي إلى انتفاء النظرة النسقية، وفتور الحماس مع مر الأعوام؟ ثم ألا يمكن لمثل هذه العوامل أن تؤثر سلبا في فلسفة الميثاق وتوجهه الإيجابي ؟
ج:لابد لي، في البدء، أن أبدي بعض الملاحظات الأولية: لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث، وفي تاريخ محاولاته الإصلاحية التربوية، يتم الحصول على ميثاق متوافق عليه سياسيا؛ وذلك بعد أن فشلت محاولات سابقة، آخرها تلك التي مست شريحة موسعة، بحجم مكونات البرلمان السابق.
الملاحظة الثانية، وأعتبرها أس تعثرنا في مجال الإصلاح التربوي؛ إنه الهم السياسي؛ أو بتعبير أصح المقاربة السياسوية التي كانت طاغية على رصد  الوضع التعليمي/ التربوي وتشخيصه. مما ترتب عيه صياغة الإشكاليات التربوية والتعليمية والتكوينية في غير صلة بالواقع بكل مكوناته؛ أي واقع المنظومة التعليمية في حد ذاته.
الملاحظة الثالثة، في هذا السياق،  يغيب البيداغوجي والديداكتيكي؛ وبالتالي تغيب كل فعالية منشودة لأي إصلاح كيفما كانت رفعة وقيمة توجهاته المبدئية .هذا الغياب أو التغييب له مسبباته وعلاته على مستويات عدة قد يطول تناولها .
ملاحظة أخيرة، وهي أن ميثاق التربية والتكوين  حظي  بتوافق سياسي، وتميز بالاتساق الداخلي، كما ذكرت في السؤال، وبمنطق داخلي يجعله يتناغم والتوجهات الكبري، وبكونه مرجعية يمكن اعتمادها في الأجرأة والتحليل والتقييم، ثم التطوير باعتبار أنها مرجعية وليست قانونا؛ فهو في الأصل توافق، قد تختلف وتتباين قراءاته، غير أن أهميته تتجلى في التوافق على توجهات لمدى محدد سلفا وقابل للتعديل والتحسين والتطوير وفق المتغيرات المجتمعية والدولية الطارئة منها والثابتة.
فعلا، الميثاق متماسك ومتسق ومتناسق في منطلقاته وحيثياته وتشخيصاته واستنتاجاته واقتراحاته التفعيلية ؛ وهو مجهود متميز لم يسبق لمشاريعنا الإصلاحية أن تميزت به بالنظر إلى تدبير الشأن التعليمي منذ بدايات الاستقلال ( مد وجزر في التوجهات الأساسية والعامة، وبالتالي، تدبير يتحين اليومي والظرفي ...). وبالطبع، المسافة كبيرة بين التنظير/ التصور والتطبيق، ذلك أنه إذا ما اعتبرنا الميثاق في توجهاته وفلسفته متقدما ومتطورا، فلن نتمكن من إنجاز دعاماته ما لم تتغير أساليب وصيغ التدبير والتسيير. فما هو جدير بالوقوف عنده اليوم- حتى لا نضيع الفرصة ونعيد الكرة لتدارس الخلافات ووضع تصورات أخرى- هو تحقيق التعبئة الشاملة. ومفاده أنه وقع توافق على ميثاق يوجه مسار التربية والتكوين لمدى عشر سنوات ( بقيت منها سنوات معدودات ) ؛ وللأمر في حد ذاته طابع إجرائي حيث يحدد فترة الإنجاز. لكن، ومن المحقق، أنه لا فائدة ترجي من الميثاق إذا  لم يكن مصحوبا بتعبئة شاملة تحسيسية لكل مكونات المجتمع المغربي، أكانت أحزابا أم نقابات أم قطاعات عامة أم قطاعات خاصة أم مجتمع مدني... خاصة وأن الميثاق يلح على المشاركة الفعلية لكل المكونات المجتمعية في تطوير هذا القطاع. وهي- عبر ممثليها - ساهمت في وضعه. إن هذا الإلحاح يفيد أن الجميع، أفرادا وجماعات، معنيون بتكوين الأجيال القادمة وتكوين المورد البشري حتى يصبح قادرا على الاندماج الاجتماعي والمساهمة في التنمية المستدامة. إن التعبئة الشاملة تفيد بالضرورة، وقبل كل شيء، تفعيل كل الطاقات البشرية وكل العاملين، بكل أصنافهم وفئاتهم في القطاع التعليمي؛ وذلك حتى  يستوعبوا روح الميثاق ومقتضياته، يحفزهم على استضمار الأهداف المرجوة والعمل على أجرأتها... فالمذكرات التسييرية لا تفيد، باعتبار أن الاشتغال الحالي بالمدرسة المغربية يقع داخل أربعة جدران ( الفصل)، والعلاقة في هذا الموقع/ المكان تنحصر بين أستاذ وتلاميذ ... وكل وسائل المراقبة المتوفرة لا تعني شيئا، بما فيها التفتيش في وضعه الحالي. إن المسألة - بالإضافة إلى الميثاق الموضوع في حلته التوجيهية والسياسية - تتعلق بميثاق أخلاقي يؤسس للعلاقات بين الفاعلين داخل المؤسسة المدرسية ( أستاذ، إدارة، تلميذ، آباء ...) .لم نصل بعد إلى الميثاق الأخلاقي، غير أنه يمكنني التأكيد على أن ميثاق التربية والتكوين في حجمه المصيري وفي مقتضياته ودعاماته ليس، إلى حدود اليوم، في متناول كل نساء ورجال التعليم شكلا ومضمونا. فالمطلوب هو اعتبار صدور الميثاق بمثابة ثورة هادئة في المجال يسهم الجميع في تفعيله ويوفر له الحد الأدنى من الإمكانات والآليات لتحقيقه.  وبما أن للميثاق طابعه التوافقي، أن تتم أجرأته، كذلك، قاعديا بالتحسيس كما قلت وباستنفار كل الطاقات المتوفرة للتجنيد لتفعيله باعتباره ميثاقا يرصد تطور وآفاق التربية والتكوين على المدى القريب والمتوسط. ويبقى للمهتمين والباحثين وللوكالة المزمع خلقها والخاصة بالتقييم، والميثاق في أطواره الأولى، أن يفحصوا مساره ومآله واستشراف توقعاته في أفق التعديلات والتصحيحات اللازمة. فمن أجل تفادي المخاطر التي أشرت إليها في سؤالك، أخلص أنه لابد من استحضار الميثاق، عند الأجرأة، كنسق مترابط المكونات، ولابد من استمرار فعالية العنصر البشري . هذه هي بعض الشروط التي بجب على الوكالة المزمع خلقها، أن تظل مستحضرة لها .
س :أصبحت المفاهيم البيداغوجية المتداولة تحظى بمنزلة إيديولوجية التعبير المهيمــن ( على حد تعبير جون ركاردو J. Ricardou ). ولهذا، فهي تشكل عائقا أمام أية محاولة للتجديد التربوي. ألا تتخوفون من خطورة هذه الإيديولوجية على طمس وتمويه المفاهيم التي يراهن عليها الميثاق لخلق حركية جديدة داخل المدرسة المغربية ؟ ثم ألا ترون بأن الخلل يكمن في المورد البشري الذي ينبغي إعادة تأطيره وتكوينه حتى يتمكن من استيعاب المفاهيم الجديدة، ويسهم في استحداث ما يماثلها على ارض الواقع ؟
ج: من الطبيعي أن تصطدم كل منظومة تعليمية تبحث عن نفسها بعائق الإطار المفاهيمي المناسب، أي الملائم لخصائصه وخصوصياته ولمرجعياته الثقافية والاجتماعية والسياسية . في اعتقادي، أن المفاهيم البيداغوجية المتداولة لا تشكل فعلا ما ينعت بإديولوجية التعبير المهيمن بدليل أن التداول هنا، وفي واقعنا، يفيد استهلاكا للمصطلحات وليس المفاهيم ؛ وهو استهلاك ظرفي يساير في أغلب الأحيان المذكرات الرسمية الموجهة، ثم إنه استهلاك خطابي ولا يتجاوز هذه الحدود إلا نادرا. عمق التساؤل في نظري، وعلى هذا المستوى، يطرح إشكالية التجديد في حد ذاته. فعن أي تجديد نتحدث ؟ وما التجديد في واقعنا ؟
للتوضيح، أقول، إنه لابد من التذكير ببعض المسلمات غالبا ما يتم تناسيها بفعل عوامل خارجة عن المدرسة. من هذه المسلمات اعتبار المؤسسة التعليمية أو التكوينية فضاء للتجديد المستمر بامتياز. ومنها أن التجديد لا يعني خلق أو إقحام الجديد وحسب؛ بل الأهم والأساس أن يكون التجديد هَمّا دائما وهاجسا يحمله كل مشتغل في مجال التعليم خاصـة  بحكم تعامله مع الفرد والإنسان القابل للتطوير والمساهم في التطور ؛ وبالتالي فالتجديد سيرورة ودينامية، ونبراس للممارسة المفروض أن تطبع الاشتغال اليومي داخل المؤسسة التعليمية وداخل مراكز التكوين. وثالث المسلمات, أن التجديد الناجع والفاعل ينبع أصلا من القاعدة ؛ على أن تتاح لها كل فرص التجديد الضرورية. وأعتقد أن الميثاق يفسح المجال واسعا لهذا التجديد حينما يرسخ مبادئ من قبيل اعتماد المتعلم ركيزة الاشتغال البيداغوجي, وتمتيع المؤسسة التعليمية والتكوينية باستقلاليتها التربوية والتدبيرية, و اعتماد الكفايات كمقاربة بيداغوجية تتسم بالمرونة والملاءمة اللتين يستدعيهما أي تجديد تربوي. ومن ثمة, يكون للعنصر البشري دوره الأساس, بل دور الريادة في الإتيان بالمستجد، وخلق أجواء التجديد.  وعليه لا يقتصر الفاعل التربوي على استيعاب المفاهيم الجديدة, بل يسهم في توظيفها وتطويرها وبناء مفاهيم جديدة. ومن ثمة،  تبرز أهمية التكوين المستمر في الارتقاء بالمورد البشري ليحتل مكانة الصدارة في سيرورة التجديد شريطة أن يصبح هذا التجديد من مستلزمات الاشتغال التكويني بحثا ودراسة وتلقينا...
س : تتواتر في الميثاق لفظة الجودة في سياقات مختلفة. إن تقويم الجودة لا يعني إصدار أحكام قيمية، وإنما التأكد من مدى مطابقة المنتوج التعليمي للمعلومات المتوفرة في مرحلة تاريخية معينة، ثم استجابته للحاجات التي تحظى بثقة الفاعلين التربويين. انطلاقا من هذا التصور لجال بلانت  J. Plante ، كيف يمكن ضبط مفهوم الجودة وحصره في الحقل التربوي؟ وما السبل والشروط الكفيلة بضمان الجودة المتوخاة ؟
ج : الحديث عن الجودة يحيلنا على ما سبق ذكره, وبودي التذكير بمسلمة يصعب استبعادها؛ وأقصد أن فضاء التربية والتعليم والتكوين قطاع يتمثل دوره الأساس فـــي " بناء" الإنسان أو المورد البشري المناسب؛ وهو القطاع الأول المهتم بالشخص وبتنمية الشخصية بامتياز. مثل هاته المهام, البناء والتنمية، لا  يمكن إنجازها على الوجه المطلوب  دون الانفتاح المفاهيمي والمعرفي. والغرض من الانفتاح، هو التماس مستمر لآليات وأدوات أخرى جديدة ومستجدة تمكن من تطوير المنظومة التربوية.
واضح أن مصطلح الجودة  مقتبس من مجال المقاولة والاقتصاد بشكل عام.  فما المانع أولا ؟ علما أن علوم التربية في حد ذاتها, كانت ومازالت, تستمد أدواتها المفاهيمية والمنهجية من ميادين معرفية متباينة  . فما الذي يمنع اليوم, تطوير الجهاز المفاهيمي إن كان مجديا وفاعلا, باستقاء مفاهيم - من قبيل الجودة- وتوظيفها في مجال التربية والتكوين؛ شريطة, بالطبع، أن تتم أجرأة المفهوم ليصبح قابلا للإنجاز وقابلا للتقييم. ويمكن القول, إن المقاولة في حد ذاتها( التي تهجس بجودة منتوج محدد  ومضبوط زمانا ومكانا على نحو يكون متوفرا على مواصفات  مدققة) تتغير عندها ضوابط ومعايير الجودة من حين لآخر وفق متغيرات السوق. صحيح أن مصطلح "الجودة" مصطلح دخيل حاليا في التربية والتكوين, غير أنه مصطلح, وهو ما يجب استحضاره عند قراءة الميثاق, ينسجم كليا مع توجهاته ودعاماته ومقاربته الاقتصادوية الغالبة. من أبجديات المنهج العلمي أن للمفهوم سلطته المعرفية " الكونية " ( Universel ) ؛ ويبقى التوظيف رهينا بالتعريفات والتحديدات الإجرائية الملائمة لمجال الاشتغال والاستعمال .
س: يراهن الميثاق على نهج الشفافية والديمقراطية في التدبير والتنظيم والانتخابات، وعلى توسيع تمثيلية الفاعلين التربويين لضمان مشاركتهم في تسيير المؤسسات التعليمية والعناية بها. ونعاين عكس ذلك على مستوى الممارسة. فلم هذا التخوف من التدبير التشاركي (La gestion participative ) ومن أساليب التفويض والتفاوض والمشاركة ؟ وكيف يمكن أن نرسخ الديمقراطية بوصفها سلوكا وممارسة، وهي متعثرة في البيت والمدرسة ؛ وذلك بالنظر أساسا إلى وظيفتهما في تربية الفرد وتنشئته الاجتماعية ؟
ج : حينما يعلن الميثاق عن هذا النهج الديمقراطي, فهو مؤطر شموليا بالسياسة العامة الموجهة لبلدنا. وعليه، فكل المعيقات وكل المقاومات المناهضة لهذا التوجه, شعوريا أو لاشعوريا, إراديا أم لا, تندرج في سياق ما ينعت بالمرحلة الانتقالية التي تتطلب جهودا كبرى وقصوى لإرساء الدمقرطة وترسيخها في الحياة والمعيش اليومي. لأنها الشرط الأساس والناجع لتفعيل وتعبئة المورد البشري كأداة للتجديد. ومن ثمة، ليس من اليسير, اليوم, جعل الشفافية والإشراك والمشاركة والتشارك ودمقرطة التسيير والتدبير ممارسة يومية قائمة يتمتع بها الجميع ويعمل بها ومن أجلها الجميع. لذلك أعتبر، وبحكم تجربتي المتواضعة جدا، فإن المسألة مرتبطة أشد الارتباط بالشخص المدبر والمسير في طبيعته وخاصياته ونوعية تكوينه .
فإذا ما كانت التوجهات واضحة في هذا الباب ؛ وإذا ما كان الغرض الأسمى أن تتحقق المردودية والفعالية والنجاعة في اشتغالنا التربوي والتعليمي والتكويني ؛ فأين يكمن الخلل. فلا شيء، في هذا الباب، يضمن نجاح الإصلاح إن لم تطبق عمليا الشعارات المذكورة . المسألة المطروحة في سؤالكم أعقد بكثير من أن تطرح على مستوى التعليم والتربية؛ وقد لا يتسع المجال في هذا الحوار للإحاطة بالموضوع  .
س:  تستأثر الكفايات في الوقت الراهن باهتمام الفاعلين التربويين. وفيما سبق اجترفتهم موجة الأهداف. ما سر افتتانهم بهذا المنزع البيداغوجي ( pédagogique ) الذي يختزل العملية التعليمية/ التعلمية في تقنيات مجردة  من السياقات النظرية التي تؤطرها ؟ ولماذا تنتفي النظرة الشمولية والنسقية في التعامل مع التقنيات البيداغوجية وتوظيفها ؟
ج: الإشكال المطروح في هذا السؤال لا يرتبط بالنزعة أو المنزع البيداغوجي ؛ بل يرتبط أساسا وأصلا بمصدر المستجد التربوي، مبرراته وصدقيته. فالكفايات عنصر مكون لمقاربة شمولية جاء بها الميثاق ولم يكن صريحا في تبنيها. إن الفارق بيٌن بين صدور المنزع البداغوجي من القمة وصدوره من القاعدة .
تكمن المشكلة في كيفية تدبير، وبالتالي توفير الأجواء المدرسية المناسبة، بما فيها جو الإبداع والخلق والابتكار وتشجيع المبادرات البيداغوجية لكي تأخذ طابعا قاعديا، أي مستجيبا لحاجات الواقع المدرسي، وتصبح سهلة المنال وقابلة للتنفيذ وللتعميم. في المقابل، يتعقد الأمر حينما تتهاوى التوجيهات البيداغوجية بشكل فجائي ليستقبلها المدرس بكثير من التشكك والريبة ؛ وهو ما يتطلب مرة أخرى إرساء دعامات الثقافة التشاركية. وبغض النظر عن هذا الإشكال، الحديث عن الكفايات كمقاربة بيداغوجية، يدخل في سياق توجهات الميثاق الضمنية وأجرأة مقتضياته وفلسفته. ولا أعتبر أن هذا " المنزع البداغوجي" يخرج عن الاتساق الداخلي للميثاق كما لا يتنافى وتوجهه الاقتصادوي .
ويبقى التساؤل الكبير، كيف يمكن إدراج وإدماج بيداغوجيا الكفايات، فعلا وعمليا، في سيرورات التعليم عامة والتدريس خاصة ؟ والسؤال مطروح على الفاعلين التربويين في مختلف مواقعهم  لبذل مزيد من الجهود حتى يحددوا الكفايات المستهدفة التي يمكن ببنائها وتحسين مردوديتها أن ندرك مواصفات التخرج من سلك دراسي إلى آخر.
س: يراهـن الأخصائيــون في المجــال الديداكتيكـي على مهنيـة المـــدرس ( La professionnalité de l' enseigant ) ، ثم تحسين أدائها بالتكوين المستمر أو التكوين عن بعد. ما هي المقترحات التي تعتبرونها أساسية لتحسين الأداء المهني للمدرس ؟
ج: إن المهنية شرط أساس لاستجلاب المردودية. ويجب ألا يتم الخلط بين المهنية  والترقية ؛ وهو إشكال آخر يتعلق بتدبير المورد البشري. تتطلب المهنية تحديدا لمرجعيتها على أساس تكوين  منتظم  يتطلب استراتيجية خاصة منسجمة مع التوجهات العامة والأساسية . ويتفرع التكوين إلى تكوين أساس ومستمر ومستديم . وتتنوع صيغ وأساليب تحقيق هذا التكوين. ويندرج ضمنها أيضا التكوين عن بعد استجابة لتوقعات الفاعل التربوي. لا يمكن أن يتحسن الأداء المهني للمدرس إذا لم يعتمد في تطوير مؤهلاته وقدراته على مختلف أنواع التكوين المعتمدة . كما يجب أن لا يقتصر التكوين على المعرفة بل ينبغي أن يشمل ما يتعلق بالكفايات التكنولوجية. أي كل ما يمكن أن يسعف المدرس على أن يكون في مستوى التحديات المفروضة علينا الآن سواء على المستوى المهني والثقافي والاجتماعي. وما ينطبق على المدرس  يسري على باقي الفواعل التربوية التي تراهن على تجديد المدرسة وتحسين أدائها المعرفي والتكنولوجي.
س: يتبنى الكتاب الأبيض التدريس بالمجزوءات ( l'enseignement modulaire ) . ومن خلال فحص السياقات التي ورد فيها هذا النوع من التدريس، نجده يقترن مرة بالغلاف الزمني، ويلتبس مرات بالوحدات الديداكتيكية ( séquences didactiques ) . وتعتبره الأدبيات البيداغوجية نمطا تعليميا لتقليص الفوارق بين التلاميذ، وانتقاء التنظيمات البيداغوجية والسنادات الديداكتيكية التي تتلاءم  جيدا مع حاجات كل مجموعة من التلاميذ على حدة. أيكمن الالتباس في ترجمة المفاهيم ؟ ألا ترون بأن هذا النوع من اللبس قد يعيق إدراك الأهداف المتوخاة ؟ وكيف يمكن لهذا النوع من التدريس وللكفايات أن يؤديا دوريهما دون أدنى إشارة إلى المشروع البيداغوجي للمادة المدرسة ( Projet disciplinaire) ؟
ج: إن الخلط حاصل على المستوى المفاهيمي ؛ وهو لا يقتصر على هذا المستوى فقط؛ بل يشمل أيضا العديد من المستويات الأخرى. وفي نظري، وللتأكيد ثانية، لن نخرج من مآزقنا التربوية والتعليمية والتكوينية ما لم نحدد ما نرجوه ونتوخاه ونستهدفه. والمبتدأ، أن تتحدد المفاهيم وأن تصاغ بشكل مفهوم وواضح. فما المجزوءة أو المصوغة ؟ كيف وقع تبنيها في عوالم تربوية أخرى ؟ ولم اعتمدت في منظومتنا التربوية؟ ولماذا اقتصر في توظيفها على الجذع المشترك ؟ أسئلة أتمنى أن تتم الإجابة عنها موازاة مع إعداد البرامج والمناهج التعليمية .. ذلك أن الإشكال المطروح، ويهم كل التجديدات المطروحة، كيف للفاعل الموظف للتجديد مباشرة في واقعه المهني اليومي، أن يشيع هذا الجديد وهو غير متشبع به، وإلى حد ما يعتبر نفسه غير معني بالأمر، وبالأسس النظرية والفلسفية والعملية والإجرائية لذاك التجديد .
فأين يكمن الخلل ؟ الخلل كامن في المصاحبة والتدعيم والتعزيز ؛ وقبل هذا وذاك، العمل على التحسيس والاستيعاب وتوفير إمكانات وفرص الاطلاع القبلي على المستجدات التربوية كما يوصي بها البحث التربوي. بتعبير آخر، المفروض أن توفر فرص خلق حس البحث لدى كل الفاعلين التربويين ؛ وأعتقد أن إمكانيات الإنجاز متوفرة اليوم بحكم الأدوات المعلوماتية المدمجة حاليا في المؤسسات التعليمية والتكوينية.
وكيفما كان الحال، وكيفما كانت الظرفيات البيداغوجية المؤثرة لتبني هذا النمط في بداية سلك تعلمي محدد، أرى أن هذا النمط لا يخلو من فضائل ومميزات على أساس أن يمتد تشغيله على مستويات تعليمية وتكوينية أخرى. إن المشكلة ، وأستسمح للتعبير عنها بشكل آخر، لا تتمثل في التجديد أو المستجد في حد ذاته ؛ وإنما تتحدد في سيرورة التجديد. والحديث عن هذا الإشكال قد يطول ، والمجال قد لا يتسع. ومن جهة أخرى، قد يكون لما يسمى بمشروع المؤسسة مكان للتحاور والنقاش ؛ لكن أن يطرح اليوم مشروع المادة المدرسة؛ فينبغي أن يؤجل تدارسه إلى حين توفر الشروط المناسبة ، وتثبيت وضبط الإطار المؤسسي الذي يمكن أن يحتضنه إلى جانب ممارسات وأنشطة تربوية أخرى .
س: ما  مشروعكم لتدبير المرحلة المقبلة في المركز الذي تسيرونه ؟
ج:أي مشروع  لمركز تكوين مفتشي التعليم؟
لا يمكن لهذا المشروع إلا أن يندرج في إطار الميثاق. ما أود تأكيده، هو أن الأطر المكونة داخل هذه المؤسسة، كانت سباقة، وقبل صدور الميثاق المتوافق عليه، إلى تبني بعض توجهاته والعمل على تحقيقها ؛ من ضمنها وأهمها، تجريب الاشتغال بالمجزوءات في التكوين ؛ وبالتالي، محاولات مراجعة تكوينية تتأسس على مرجعية مهنية مبنية على الكفايات المفروض توفرها في مفتشي التعليم. من حسن حظنا، أن ما أنجزناه كمقدمات لا يتنافى نهائيا وتوجهات ودعامات الميثاق.. وآمل أن نطور مجهوداتنا في هذا الاتجاه .
مشروع ثان، هو إخراج مشروعنا للتكوين المستمر وتحيينه والعمل على توفير شروط إنجازه. وللتذكير، فهو مشروع هيئ قبل سنوات خمس مضت، وقطعنا فيها أشواطا تنظيمية مهمة، وفي إطار تشاركي مع الأكاديميات. وفي نهاية المطاف، وعشية بداية إنجاز حلقات تكوينية مركزة ومستجيبة لحاجات السادة المفتشين معبر عنها من خلال التواصل مع الأكاديميات المعنية، كمنطلق لمسلسل تكويني منظم ومنتظم ؛ تبين أن العائق المادي لاستقبال الفئات المستفيدة والمؤطرين داخل الأكاديميات، شكل إحباطا لمشروعنا ولكل السادة الأساتذة المكونين الذين انخرطوا بعزم وفعالية في وضع المشروع. ورغم ذلك، فرغبتنا ودورنا وحماسنا لن يتوقف ؛ سنعمل على تحيين المشروع. ولاشك أننا سنجد المخاطب الجديد والناجع في الأكاديميات وهي تدخل في صيغتها الجديدة ووظائفها ومهامها المستجدة لتفتح أذرعها لمختلف برامج الشراكات ؛ ومن أهمها، بل من الأسبقيات، عروض التكوين التي تقدمها مؤسسات التكوين التابعة لها. وهناك مشروع ثالث، لا يقل أهمية عن المشروعين السابقين، إنه مشروع الانفتاح التام لمركز تكوين المفتشين على تقبل مشاريع تكوينية معبر عنها من لدن قطاعات أخرى، ولاستقبال طلبات تكوينية عديدة ومتوافرة معبر عنها من لدن الدول الإفريقية والعربية. مشاريع ثلاثة أساسية ؛ مشروع تحديث برامج التكوين الأساس ؛ مشروع إرساء التكوين المستمر- في إطار استراتيجية تكوينية عامة- لفائدة مفتشي التعليم ولغيرهم- قدر المستطاع - من أطر التربية والتكوين ؛ ومشروع الانفتاح المطلوب والمستجيب لعروض التكوين المقترحة علينا باستمرار لتحقيق إشعاع تربوي وطني أوسع .
إنني واثق، رغم مكامن التعثر والقصور، من أن السياسة التعليمية والتكوينية الحالية ستوفر إمكانات وشروط إنجاز هذا الطموح، وهو طموح عادي جدا بالنظر إلى الأدوار المنوطة بالمؤسسة التكوينية .
مشروع رابع، فضلت الحديث عنه منفصلا عما سبق ذكره، وأقصد مشروع تنمية وتطوير البحث التربوي داخل المؤسسات التكوينية.
لا يخفى عليك، أن للبحث العلمي دوره الأساس في التنمية المجتمعية بكل مستوياتها ؛ وللبحث العلمي/ التربوي دوره الأساس والخاص في تطوير منظومة التربية والتكوين وفي تحسين مردوديته. المفروض أن يعمل فاعلو التكوين على الارتقاء بالبحث التربوي حرصا على جعله يحتل مكانته اللائقة به والمناسبة لمصاحبة وتقفي آثار الاشتغال التعليمي، في كل مستوياته، بغرض التشخيص في مجالات تفتقد إليه واستصدار التوصيات الموضوعية القابلة للإنجاز والمؤهلة لاستمرارية المردودية التربوية والتعليمية وتحسينها وتطويرها نحو الأفضل.




 



     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009