ندوة دون كيخوتي : قراءات مغربية-د. سعيد بنعبد الواحد
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=57
الكاتب: mdahi


 حرر في الأربعاء 02-06-2010 10:13 أ£أ“أ‡أپ

شكل مؤلف سرفانتيس (1547 ¬ 1616)، «دون كيخوتي» دي لامانتشا (1605)، منعطفا حاسما في انبثاق الرواية الغربية، إن لم يكن هو النص المؤسس للرواية العالمية الحديثة. ونظرا لأهميته فقد تجاوزت آفاقه زمن كتابته، القرن 17، وحدوده الثقافية والجغرافية ليصبح كتابا ذا أبعاد عالمية تمثلته باقي لغات العالم. كما أن مسار البحث في هذه الرواية العالمية غني ومتجدد لما تختزن من إمكانات حكائية وتخييلية، وبنائية، وموضوعاتية، وثقافية.
وقد عملت أشغال هذه الندوة على رصد بعض هذه الإمكانات من خلال المحاور التي تناولها بالدرس والتحليل مجموعة من الأساتذة والباحثين من المغرب وإسبانيا :
1-البناء الروائي : في البداية تطرق الأستاذ حسن بوتكى إلى عتبات رواية «دون كيخوتي»، مستندا إلى التحليل اللساني والمقاربة الدلالية، ومبينا أن نص سرفانتيس عبارة عن محاكاة ساخرة لكتب الفروسية. وتناول الأستاذ محمد البكري إشكالية السارد في النص موضحا أن سرفانتيس وضع من خلال المؤلف المتخيل سيدي حامد بن علي خدعة أدبية للقارئ. وهي الفكرة نفسها التي انطلق منها الأستاذ سعيد بنعبد الواحد ليبين أن المؤلف لجأ لهذه الخدعة من أجل وضع حد لسطة الراوي الوحيد والتحايل على السلطة السياسة والدينية السائدة في القرن 17. أما الأستاذ والباحث سعيد يقطين فاعتبر رواية دون كيخوتي أول رواية الأسطورة الشخصية التي يضطلع فيها البطل باختيار شخصي لتحديد مصيره في العالم الذي يعيش فيه. وبذلك فهي تختلف عن النصوص السردية السابقة التي تبنى فيها الوظيفة المركزية للنص على " أسطورة متعالية". واستخلص سعيد يقطين أن البطل تحمل مسؤوليته، ففشل في تحقيق أسطورته الشخصية، بينما نجح الكاتب في إنتاج نص متميز.
وقد تبين من خلال هذه المقاربات أن كتاب ميغيل دي سرفانتيس -بشخصياته وتقنياته السردية- يتجاوز الأشكال الروائية التي كانت سائدة في عصره، مثل روايات الفروسية و غيرها، بل شكل نموذجا فريدا في فن الرواية جعل العديد من منظري الأدب يعتبرونه المؤسس الحقيقي لهذا الفن.
2-لغة الكتابة والأجناس الأدبية : تمت مقاربة هذه الإشكالية الهامة من خلال ثلاث مداخلات. في البداية، بين الأستاذ والباحث عبد السلام عقاب في مداخلته المتعلقة بلغة "دون كيخوتي" أن سرفانتيس كتب روايته بلغة تجمع بين اللغة العامية واللغة العالمة، مما جعله رائدا في التوليف بين سجلات لغوية مختلفة في النص الروائي الحديث. وتطرق الأستاذ عبد الإله براكسى إلى " بعض الجوانب البنيوية في مؤلف سرفانتيس" من خلال تحليل لساني للإشارات المتعلقة بمكوني الزمان والمكان. أما الأستاذ حسن حلمي فقد قدم قراءة شعرية خاصة في "أغنية غريسوستومو" مبرزا اعتماد سربانتيس على توظيف اللغة الشعرية في نسيج الكتابة الروائية.
واتضح من هذه المساهمات العلمية أن قراءة «دون كيخوتي» تستوجب إلماما خاصا بلغة عصره ومفاهيمها الكبرى. وهذا ما ينبغي للمترجم أن يراعيه في نقل النص إلى لغات أخرى.
3-أبعاد التناص والقضايا الثقافية : في البداية قدم الأستاذ والباحث محمد بلاجي مداخلة تتمحور حول " جوانب من الثقافة الشعبية في «دون كيخوتي»" مبرزا أن نص سرفانتيس يحفل برموز الثقافة الشعبية وبما يتصل بها من أغاني وأمثال وحكايات. أما الأستاذ محمد رقيد فقد تناول " موضوعة الكتاب في «دون كيخوتي»" محددا أبعادها الإبستمولوجية والدينية والسياسية. وتطرقت الأستاذة فدوى الهزيت إلى إشكالية الدين والتاريخ في «دون كيخوتي» وقدمت تحليللا لنموذج من التعايش بين الموريسكيين والمسيحيين من خلال بعض شخصيات «دون كيخوتي» مثل "ريكوطي"، "ريكوطا" وسانتشو بانثا. وهو ما تناوله أيضا الأستاذ والباحث الإسباني فرانثيسكو لاينا رانث في مداخلة حول " سرفانتيس وطرد الموريسكيين من إسبانيا". وقدم الأستاذ إسماعيل العثماني تصورا جديدا لفهم توظيف شخصية المؤلف المتخيل سيدي حامد بن علي بالاعتماد على بعض النصوص المؤرخة للظاهرة الموريسكية. وهو ما تناوله بالدرس والتحليل الأستاذ والمستعرب الإسباني رودولفو خيل غريماو في مقاربة بينت أن «دون كيخوتي» يقدم رؤية تاريخية تتأرجح بين الخطاب الرسمي والتاريخ الحقيقي. أما الأستاذ فيصل الشرايبي فقد قدم قراءة شاعرية في أهم مراحل حياة وأعمال سيرفانتيس من خلال حوار أدبي متخيل مع الكاتب الإسباني. وهو ما تناوله كذلك الباحث الإسباني ماكسيمو هيغيرا الذي أبرز بعض الجوانب الشخصية والذاتي لسيرفانتيس في «دون كيخوتي».
من كل هذه المداخلات، استنتج الأساتذة الباحثون أن رواية «دون كيخوتي» تزخر بالإحالات إلى مختلف الثقافات والحضارات : عربية أكانت أم إسلاميةأم مسيحيةأم يهودية.. الخ. وهذا ما أسعف على تبين ما تزخر به رواية دون كيخوتي من قضايا تاريخية وثقافية .
3-التلقي : تعددت أشكال وظروف نقل وتلقي «دون كيخوتي» من الثقافة الإسبانية إلى مختلف الثقافات العالمية. كما أن التعامل مع هذا النص المحوري في تاريخ الأدب العالمي قد تباين كذلك باختلاف التيارات والمذاهب الأدبية الكبرى من باروكية، ورومانسية، وواقعية، الخ...
في بداية الجلسة تطرق الأستاذ محمد الداهي إلى تلقي العرب لدون كيخوتي على المستوى النقدي ( محمد مندور، عزالدين إسماعيل ، عبد القادر الشاوي، عبدالوهاب مؤدب، التهامي الوزاني، عبد الكبير الفاسي..) والمستوى الإبداعي ( واسيني الأعرج، عبد الكبير الخطيبي، هاني الراهب..). وقد حاولت مداخلته إعادة الاعتبار إلى مفهوم التطبيق الذي استبعد من الثلاثية الهرمنطقية ( الفهم والتفسير والتطبيق) على الرغم من أهميته وملاءمته ( وفق تصور هانس غادامر و هانس روبيرت ياوس).
أما الأستاذة سلوى الإدريسي فقد تتبعت مراحل تلقي الأدباء الألمان لرواية "دون كيخوتي» قبل أن تقف عند نموذج الأديب الرومانسي هاينرش هاينو (1797¬ 1856). وتناول الأستاذ مصطفى جباري القراءات المتباينة والمتناقضة التي قدمها الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس حول «دون كيخوتي»، مبينا أن مؤلف قصة "بيير مينار، مؤلف «دون كيخوتي»" له علاقة شادة وغامضة بسرفانتيس. وفي الأخير عرض مجموعة من المؤلفات المصورة التي تضع رواية من حجم وغني دون كيخوتي رهن الأطفال. وبالمقابل قدم بعض النماذج الحكائية المصورة من المغرب. وهي على قلتها وندرتها تعتبر تقليدا ينبغي الحفاظ عليه وتطويره حتى يسهم الكتاب المغربي في مخاطبة آفاق متباينة وفئات مختلفة.
4-الترجمة : في بداية الجلسة، أبرز الأستاذ والمترجم إبراهيم الخطيب كيف تراوحت ظروف تلقي وترجمة «دون كيخوتي» في تطوان خلال مرحلة الحماية بين المواقف المتفتحة والمواقف المناهضة للاحتفاء بهذا الكتاب ونشره بين القراء المغاربة. وأشار إلى أن التهامي الوزاني تعلم اللغة الإسبانية واضطلع بترجمة فصول منها. وهي مازالت لحد الآن محبرة بخط يده. وتطرقت الأستاذة نرمين بن ادريس إلى تحليل نظرية الترجمة وصورة المترجم في «دون كيخوتي» بعد التسليم بخدعة سرفانتيس الأدبية التي تقول بأن مغامرات الفارس الجوال «دون كيخوتي» ليست سوى حكاية ألفها باللغة العربية سيدي حامد بن علي ،وكلف المؤلف مترجما من طليطية بنقلها إلى اللغة الإسبانية. وقد تمحورت مداخلة المترجم عبد الرحيم حزل حول عقد مقارنة دقيقة بين ترجمة عبد الرحمن بدوي (1965) وترجمة سليمان العطار (2000). وقد اقتصر المترجم في مقارنته على ترجمة الفصل الأول من رواية دون كيخوتي مركزا على العناصر الآتية: التشابه وأسبابه، والاختلاف ومبرراته، والتناقض وحيثياته.
لقد بينت هذه الجلسة أن ما أنجز من ترجمات لرواية سرفانتيس إلى اللغة العربية لم يصل بعد إلى ما يتطلبه هذا العمل من دقة، وأننا في العالم العربي ما زلنا في حاجة ماسة إلى ترجمة مدققة لهذا المؤلف الهام.
5-"دون كيخوتي وتأسيس حداثة الرواية"
وبالتزامن مع أشغال الندوة، وفي إطار سلسلة من المحاضرات التي ينظمها معهد سيرفانتتيس في مختلف بلدان العالم احتفاء بالذكرى المئوية الرابعة لصدور رواية «دون كيخوتي»، استضاف معهد سيرفانتيس بالدار البيضاء الكاتب والناقد المغربي محمد برادة الذي ألقى محاضرة في موضوع " دون كيخوتي وتأسيس حداثة الرواية"
في البداية بين المحاضر التباس مفهوم الحداثة المرتبط برواية "دون كيخوتي"، كما وضعه ومارسه سيرفانتيس. ثم تناول بالتحليل المكونات الحداثية المتعالية على السياق التاريخي والفني عند سيرفانتيس مثل السرد، والشعرية المختلفة للرواية وجدلية الحلم والهزيمة كما تتجلى في مسار البطل دون كيخوتي. بعد ذلك، تطرق الأستاذ محمد برادة لأثر "«دون كيخوتي»" في تأسيس الحداثة الروائية مستعرضا مجموعة من الكتاب الذين قلدوا أو استلهموا أشكال وفلسفة رواية "«دون كيخوتي»" في أعمالهم مثل هنري فيلدينغ، صامويل ريشاردصون ولورانس ستيرن. وفي الأخير، ناقش المحاضر مفهوم الحداثة في "«دون كيخوتي»" انطلاقا من محاولتين نقديتين توليان اهتماما كبيرا لدور "«دون كيخوتي»" في تأسيس حداثة الرواية رغم اختلافهما في التأويل والتقييم. ويتعلق الأمر بكتاب طوماس بافيل " فكر الرواية " (2003) وبمؤلف ميلان كونديرا " الستار" (2005).



     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009