x

 

 

  

 

 

الكاتب: محمد الداهي بتاريخ: الأحد 08-08-2010 08:18 أ•أˆأ‡أچأ‡  الزوار: 3527    التعليقات: 0
المشاركة السابقة : المشاركة التالية

اخر ألاخبار    الحداثة واقع اجتماعي ومنهج نقدي : حوار أجراه محمد الداهي       Hommage à Mohammed Berrada : Mhamed Dahi       تقديم كتاب " التفاعل الفني والأدبي في الشعر الرقمي" ، د.محمد الداهي       النغمة المواكبة .. كتاب جماعي محكم عن المفكر والروائي عبدالله العروي       لكل بداية دهشتها، محمد الداهي       استراتيجيات الحوار بين التفاعل والإقصاء في كتاب " صورة الآنا والأخر في السرد" لمحمد الداهي       مغامرة الرواية تطلعا إلى المواطنة التخييلية- د. محمد الداهي       La fictionnalisation de soi dans le roman arabe Mhamed Dahi       من البرولتاريا إلى البرونتاريا رهانات التغيير الثقافي -د.محمد الداهي       تطلعات الملاحق الثقافية بالمغرب. د.محمد الداهي    
من قَال أَنَا: لقاء مُخْطَأٌ مع الموت-د.محمد برادة

يحرص عبد القادر الشاوي على أن يضع فوق الغلاف: تخييل ذاتي ليحدد الجنس التعبيري الذي ينتمي إليه نصه الجديد من قال أنا· والذين قرأوا روايات الشاوي السابقة، خاصة دليل العنفوان (1989)، الساحة الشرفية (1999)، دليل المدى (2003)، سيجدون هذا التجنيس متلائما مع استيحائه لتجربة حياته داخل السجن وخارجه، وما رافق ذلك من كوابيس سنوات الرصاص بالمغرب·

وإذا كانت علاقة الشاوي بالرواية قد اقترنت بالكتابة عن الاعتقال والتعذيب وحياة السجن في نصه الأول كان وأخواتها (1986)، فإن النصوص التالية سعت إلى تحرير الذات من خانة السجن والنضال، لتسترجع لحظاتها وديمومتها خلال الطفولة والمراهقة وعنفوان الشباب ونزواته· وكلما توغل في تجربة الكتابة، كلما تخفف من مرجعية المعيش الشخصي، فاسحا المجال لعنصر التخييل المتيح للحذف والانتقاء والاستيهام واستحضار الذاكرة الغافية· من هذه الزاوية، يغدو استثمار الذات والحياة الشخصية عند الشاوي، نوعا من التخييل الذاتي لأن الوقائع والأحداث لاتكفي لكتابة نص روائي، ولأن المرجعية الواقعية، مهما بلغت من غنى وخصوبة، تظل بحاجة إلى تخييل يكشف الجوانب المختبئة، و الاحتمالات الكامنة وراء الذوات المتعددة داخل كل ذات···
في من قال أنا، ينطلق النص من تجربة مرض السرطان الذي ألم بعبد القادر الشاوي خلال السنة الماضية (2005) واضطره إلى عملية جراحية دقيقة نقلته إلى مشارف الموت· والكتابة عن تجربة فيزيقية ووجودية بهذا الحجم تضع الانسان وجها لوجه أمام حياته برمتها وهي تتأرجح بين العدم واستئناف الوجود·
إلا أن البناء الذي اختاره الكاتب، يجعل العناصر الأوتوبيوغرافية تلامس في الآن نفسه الشكل الروائي، إذ يتخيل صديقا وصديقة جاءا لعيادته في المشفى وسرد كل واحد منهما تلك الزيارة، مستحضرا العلاقة التي تربطه بالشاوي على هذا النحو، يتوزع السرد على أربعة منظورات: أحمد الناصري، ومنار السلمي، والشاوي، ثم فصل يورد رسائل وكلمات زوار تقدم من خلال ضمير الغائب وفضلا عن هذه الفصول الأربعة، هناك مقدمة قصيرة على لسان صديق لايذكر اسمه، لكننا نستشف أنه الشاوي نفسه، وفيها يشير إلى مقاصده من وراء كتابة هذا النص، وإلى ما يمكن أن يثيره من غضب وجدال: في بعض الأوساط التي لاتقيم للفرد المختلف والمتنوع والناقد أي اعتبار، بل تناصبه العداء باعتباره خارج الجماعة ص: 7
لاشك أن الحدث الأساس، في النص هو عملية استئصال السرطان، ومواجهة الكاتب للموت عن كثب· إلا أن اللحظة الحرجة هذه، هي أيضا لحظة إدراك كاشف للعبة الحياة ومسيرتها وما تنطوي عليه من أوهام· هذا ما جعل الكاتب، من خلال محاولة الإمساك بهويته في اللحظة الفاصلة تلك، يستحضر تعدد ذاته وتجلياتها داخل ذوات متباينة· ويتم ذلك الاستحضار من خلال ما يسرده أحمد الناصري عن صداقتهما المتينة المتصلة بأيام الشباب الباكر، والسجن وما بعده، ثم من خلال ما تحكيه منار السلمي عن علاقتهما المعقدة وقسوة الشاوي في معاملتها، وميله إلى العزلة واهتمامه الشديد بذاته التي تجعله لايكاد يشعر بوجود الآخرين· تقول منار معلقة على ما كتبه في دليل العنفوان: ··· لم يكتب سوى ذلك لأنه لم يتفاعل إلا مع ذاته، مع هواجسه بتعبير دقيق، بحيث تجاهل بالطبع جميع العلاقات الممكنة التي، فيما يبدو، لم تكن تحفزه على المشاركة ولا على أي عزلة كذلك·· وتحكي منار أيضا عن بداية علاقتهما الغرامية في المركز الثقافي الفرنسي، وعن تعثر علاقتهما بعد أن بلغت ذروتها· وفي الفصل الذي يرد على لسان عبد القادر الشاوي، نجده يستحضر كذلك تفاصيل تلك العلاقة المحمومة، إلا أنه يُؤول القطيعة تأويلا مختلفا: كنت أقول لمنار: انظري حولك، جميع العلاقات التي تبدو منسجمة أصبحت عدوانية· أتدرين لماذا؟ لأنها استمرت في الزمن أكثر كثيرا من القدرة العاطفية التلقائية لاستمرار الحب بين شخصين· ترد علي منار بقولها: عبد القادر أنت ذاتي وتحب العزلة كئيب وعدمي··· ص: 91 ـ 92
هذه العلاقة المتوترة بين منار والشاوي، يمكن أن نجد لها جذورا في الوصية التي كتبها قبل أن يُجري العملية· تقول الوصية: أنا الموقع أدناه عبد القادر الشاوي، وقد جئت بمحض إرادتي إلى المصحة لإجراء عملية جراحية معقدة لاستئصال ورم سرطاني، أعترف بأنني لم أغنم من هذه الدنيا إلا إحباطاتها، ولم أجن منها إلا الخيبات، والسلام ص: 87
هناك، إذا، حزن ويأس دفنيان لايستطيع الشاوي لهما دفعا· وهو ما تأكد له لحظة دخوله إلى غرفة العمليات: ··· اليأس العظيم الذي يُنسيك أن الوجود ديمومة ممتعة ووهمية في نفس الوقت، وأن الموت قدر فظيع لا مهرب من حشره، وأننا عابرون في سيرورة لاندرك مسراها إلا في اللحظات الأخيرة التي يداهمنا فيها المرض··· ص: 86
أنا متعددة تبحث عن هوية سردية
يوحي عنوان النص من قال أنا؟ إذا أضفنا إليه علامة الاستفهام التي أسقطها الكاتب، بأن هناك تشكيكا في أن تكون أناه مطابقة لذاته، وهو التأويل الذي أوثره على دلالة العبارة المغربية الدارجة التي تعني على من سيكون الدور؟ ذلك أن النص ينطوي على ما يشبه التحليل النفساني عبر مرايا وأصداء وتخييلات تروم الكشف عن ماهو مختبئ، ثاو بالأعماق: التعلق بالحياة، الحب، الجنس، الصداقة، العزلة، التباعد عن صورة المناضل التقليدية··· إننا لسنا كما نبدو عليه، أو كما يريد الآخرون أن يتصورونا من خلاله· وفي لحظة الموت والتلاشي، تتبدد الأوهام ونقترب أكثر من حقيقتنا الضائعة، الشاردة وسط المواضعات والتلفيقات الاجتماعية·
من هذ الزاوية، فإن لجوء الشاوي إلى التخييل الذاتي هو وسيلة لمجاوزة استحالة كتابة السيرة الذاتية المستندة إلى هوية سردية مطابقة منذ أن ابتدع سيرج دوبروفسكي مصطلح التخييل الذاتي ((autofiction سنة 1977، وصولا إلى آلان روب جرييه في سيره التخييلية الأخيرة وإلى العديد من الكتاب الشباب المعاصرين···
أين نموضع من قال أنا؟، قياسا إلى تفريعات التخييل الذاتي؟ إذا اعتمدنا الحدين الأقصيين المتعارضين للتخييل الذاتي، كما يقترح جاك لوكارم، أي التخييل المطابق للواقع من جهة، والجنون التخييلي من جهة ثانية folie-fiction)، حيث تخاطر الأنا من خلال التخييل الجذري بتعرضهم للتدمير والاستلاب)، فإن نص من قال أنا؟ يظل أقرب إلى التخييل الذاتي على رغم انفتاحه على الصوغ الروائي· إن الشاوي لايعمد إلى إطلاق العنان للكتابة بوصفها غاية في ذاتها، ولايقتصر على سرد ما عاشه في حياته، وإنما يخلل ذلك بأصوات احتمالية تنظر إلى حياته المنتهية من زاوية مغايرة لتلك التي ينظر منها هو إلى نفسه· وهذه الهوية السردية تقع في مجال مشترك بين السيرة الذاتية والصوغ الروائي يمكن أن نسميه: تخييل ذاتي ـ روائي· ومن دون شك، فإن هذا الشكل يستدعي مراجعة طريقة تلقي النص، فلا تظل القراءة منشغلة بالتأكد منصحة المحكيات، بل تتعدى ذلك إلى اعتبار شخصية الشاوي الواردة في النص بمثابة شخصية روائية محددة بوقائع وأيضا باحتمالات لها امتداد في المجتمع والمرحلة التاريخية التي ينتمي إليها الكاتب· وهذه الملاحظة تقودنا إلى لا تحدد المعنى والتباساته·
إن بحث الشاوي الكاتب عن هوية سردية تحرره من قيود السيرة الذاتية بمفهومها المعتاد، جعله يُشرك القارئ في متابعة تكون وصنع هذا التخييل الذاتي نفسه: فالنص بقدر ما يستوحي ذات الشاوي المتعددة في تجلياتها، بقدر ما يُقدم في طياته طريقة صنعه·
هكذا نجد المقدمة التي تُباعد بين الكاتب الحقيقي والمحتمل، ويطالعنا صوت الصديق وهو يحكي عن الشاوي صديقه، وصوت المحبوبة السابقة وهي تسترجع علاقتهما المتوترة، ثم رسائل وكلمات الزوار قبل أن يأتي صوت الشاوي بوصفه شخصية روائية وذاتا تتخيل مسارها ومجابهتها للحظة الموت والصراع مع السرطان···
فعلا، منذ انتقد لا كان تحليل الأنا، على أنها صفات مرآوية، فقد تحولت إلى حيز للتخييل حسب تعبيره· نحن بحاجة دوما إلى أن تخيل الأنا لأننا لن نعثر عليها في أي مرآة مهما كانت درجة شفافيتها· وهذا أيضا قد يُفسر تشظي حدود الأجناس الأدبية واختلاط مكوناتها···
إن اللقاء المخطأ مع الموت، الكامن وراء تخلق نص من قال أنا؟ هو نقطة تضيء نصوص الشاوي السابقة، وفي الآن نفسه يستمد منها عناصر لقراءة أحد تجليات مستقبل الشاوي عند اقترابه من الموت· لكن إدراك هذا النص ضمن التخييل الذاتي، كما فعل المؤلف، قد يخفف من حدة اليأس المسيطرة على النص· ذلك أن استئناف الحياة هو دائما انتصار مؤقت على الموت· ومن يدري، فقد يتولد عن هذا الاستئناف تخييل مغاير يستوحي ذلك الأمل المستعصي على الفهم والذي يسندنا في ما تبقى من رحلتنا الأرضية·
عبد القادر الشاوي: من قال أنا (تخييل ذاتي)، نشر الفنك، البيضاء، 2006
بروكسيل: 2006-2-27





 
العناوين المشابهة
الموضوع القسم الكاتب الردود اخر مشاركة
دليل العنفوان: استقصاء الذكريات ... الكتابة عن الــذات محمد الداهي 0 الأربعاء 19-05-2010